«أمنا حواء».. هل تكشف أسرار جدة؟!

TT

لم يحسم الجدل بعد إن كانت جدة مسرحا لحياة أم البشر حواء أو حضنا لرفاتها، لكن المقبرة الحالية التي نطلق عليها اسمها تعتبر من أقدم المواقع التي ورد ذكرها في كتب الرحالة والمؤرخين، ومن السهل تصور وجود استيطان بشري قديم في تلك المنطقة، أو أنها الموقع الأقدم للمدينة قبل انتقالها في العهد الإسلامي إلى موقعها الحالي بين الجامع العتيق ومسجد عثمان بن عفان، فمنطقة المقبرة تطل على اللسان البحري «بحر الأربعين»، وهو موقع مثالي لرسو مراكب الصيادين الصغيرة بعيدا عن البحر المفتوح، وهو الموقع الذي اغتسل فيه سيدنا عثمان بن عفان، حينما جاء إلى جدة، عقب إعادة اختيارها ميناء لمكة المكرمة، وعلى شاطئ هذا اللسان يمكننا تخيل نشوء أكواخ الصيادين الصغيرة المؤقتة، بينما يحتفظون ببيوتهم الدائمة التي تسكنها أسرهم في المرتفعات الشرقية حول مقبرة «أمنا حواء».

أكتب هذا السطور وبين يدي ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» عدد السبت (23/1/2010) بعنوان «فريق بحثي ينقب عن آثار تعود لـ14 قرنا مدفونة تحت جدة القديمة»، فهذا الفريق البحثي بدأ خطواته في الحفر متخذا من موقع الميناء القديم نقطة انطلاق لمشروعه، وهو أمر جيد وإيجابي، ويمكن أن يأتي بنتائج بالغة الأهمية تتصل بتاريخ مدينة جدة، لكن ما أردت أن ألفت النظر إليه ضرورة منح الأولوية في التنقيب للمنطقة الواقعة حول مقبرة «أمنا حواء»، فالناس في الزمن القديم - في غياب وسائل المواصلات – كانت مساكنهم لا تبعد كثيرا عن مواقع مقابرهم، كما أن تلك المرتفعات تشكل المكان المناسب للسكنى بعيدا عن سباخ البحر، ولا أستبعد أن يجدوا من الآثار ما يدلل على أن جدة القديمة قبل عصر النبوة كانت تقع على ذلك المرتفع، قريبة من مقبرة «أمنا حواء»، أما جدة بعد إعادة اختيارها ميناء لمكة المكرمة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فإن من السهل تحديد مكانها بين الجامع العتيق ومسجد عثمان بن عفان، وقد بنيا بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، وتحديد موقعي هذين المسجدين يمنحنا الدلالة للتعرف على منطقة الاستيطان في تلك الفترة، والتي لابد أن تكون على درجة من الكثافة السكانية إلى الدرجة التي اقتضت نشوء مسجدين في وقت واحد، وهي نفس الهضبة التي أشار إليها - في التحقيق - الزميل عبد الوهاب أبو زنادة في حي المظلوم، والتي تقع زاوية عثمان بن عفان في منحدرها الغربي، بينما يقع المسجد العتيق في وسط هذه التلة أو الهضبة.

ولما كان تاريخ جدة بعد الإسلام أكثر تواترا واتصالا، ولذا فإن قدرا من البحث ينبغي أن يوجه لمعرفة طبيعة الاستيطان في المدينة قبل تلك الفترة، وأتخيل أن حفريات حول موقع المقبرة يمكن أن تمدنا بالكثير مما نجهله عن تاريخ المدينة، فهل نفعل؟

[email protected]