منتدى التنافسية الدولي الرابع.. والتنمية المستدامة

TT

استدامة الموارد الطبيعية من أجل حياة أفضل لحاضر ومستقبل البشرية، من القضايا العالمية الملحة التي تنطوي على الكثير من التحديات في عالم يشهد نموا سكانيا متسارعا، يصاحبه طلب متزايد على الموارد الطبيعية والبيئية.

وتحت شعار«التنافسية المستدامة» (Sustainable Competitiveness)، يرعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «منتدى التنافسية الدولي الرابع» وموقعه الإلكتروني (www.gcf.org.sa)، والذي تنظمه «الهيئة العامة للاستثمار في السعودية» في العاصمة الرياض، خلال الفترة من 23 إلى 26 يناير (كانون الثاني) الحالي، وبمشاركة أكثر من 100 شخصية عالمية قيادية بارزة من كبار قادة الأعمال والاقتصاد والسياسة والأكاديميين، لمناقشة التحديات والقضايا البارزة التي تواجه النظام الاقتصادي العالمي في ضوء المستجدات والمتغيرات العالمية المتسارعة، وكذلك مناقشة الكثير من القضايا الاقتصادية المهمة لتحقيق التنافسية المستدامة، بالإضافة إلى مناقشة أولويات تحسين البيئة الاستثمارية في المملكة العربية السعودية، والاستفادة من التجارب والخبرات العالمية، كما أن المنتدى سوف يسلط الضوء على التجربة السعودية في رفع مستوى التنافسية الاقتصادية لأجل دفع عجلة نمو الاقتصاد العالمي.

ويأتي الاهتمام بالمنتدى محليا وعالميا متوافقا مع السمعة والمكانة الاقتصادية الكبيرة التي تمثلها المملكة في منظومة الاقتصاد العالمي، فقد استطاعت السعودية أن تعزز تقدمها في سلم التنافسية العالمية، بسبب التطورات والتحسينات الكبيرة المتزايدة والمتسارعة التي شهدتها خلال السنوات القليلة الماضية في الكثير من المجالات والقطاعات، والتي منها قطاع المال والاستثمار والتعليم والصحة وغيرها، بالإضافة إلى توافر البيئة الاقتصادية والاستثمارية التنافسية والمحفزة، وكذلك الآليات التي تضمن لها أداء اقتصاديا قويا في الحاضر والمستقبل.

ويعد تحقيق التنافسية والتنمية المستدامة من القضايا والأهداف العالمية ذات الأهمية حاليا، لتحقيق حياة أفضل للأفراد والمجتمعات في حاضر ومستقبل الأجيال.

والتعريف الأكثر شيوعا للتنمية المستدامة Sustainable Development، والذي تم وضعه عام 1987 من قبل اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة The World Commission on Environment and Development (WCED) (لجنة برنتلاند Brundtland Commission) برئاسة غرو هارلم برنتلاند Gro Harlem Brundtland، رئيسة وزراء النرويج السابقة، يشير إلى أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي حاجة الأجيال الحاضرة، دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها الخاصة.

وجدير بالذكر أن برنتلاند قد أصدرت عام 1987 كتابا بعنوان «مستقبلنا المشترك» (Our Common Future)، والذي يعد الأول من نوعه الذي يشير إلى أن التنمية المستدامة قضية إنسانية وأخلاقية بقدر ما هي قضية تنموية، كما أنها قضية مصيرية ومستقبلية بقدر ما هي قضية اهتمام بالحاضر.

فالتنمية المستدامة هي علاقة بين النشاط الاقتصادي واستغلاله الموارد الطبيعية والبيئية في عمليات الإنتاج، وانعكاس ذلك على أنماط حياة الأفراد والمجتمعات، وبما يحقق التوصل إلى مخرجات جيدة للنشاط الاقتصادي، كما تتضمن التنمية المستدامة ترشيد استخدام الموارد الطبيعية والبيئية بما يضمن ويؤمن استدامتها وسلامتها دون التأثير سلبا في أنماط وأساليب الحياة وتطورها.

وينطوي تحقيق التنمية المستدامة على الكثير من التحديات في الحاضر والمستقبل، وبخاصة في ظل المستجدات والمتغيرات المتسارعة التي تواجه الاقتصاد العالمي واستخدام وتوفير الموارد الطبيعية، فقد تبدو الأساليب التنموية الحالية للدول ناجحة بمعايير الحاضر، ولكنها بمعايير المستقبل عاجزة وقاصرة عن تحقيق شرط الاستدامة، أي أنها تتم على حساب استهلاك واستنزاف رصيد الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة.

ولأهمية مجال التنمية المستدامة، فقد أنشأت الأمم المتحدة «جنة التنمية المستدامة» لتشجيع التغييرات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، بهدف توفير تحسينات حقيقية في نوعية حياة البشر في الحاضر، والمحافظة في الوقت نفسه على الموارد التي تحتاجها أجيال المستقبل.

كما جعلت الأمم المتحدة العقد الدولي للتربية (2005 - 2014) من أجل التنمية المستدامة، من خلال رؤية تربوية تطبق مبادئ للتربية المستدامة تسعى لاستدامة الموارد الطبيعية والبيئية لحياة أفضل للفرد والمجتمع في الحاضر وللأجيال القادمة أيضا، وتشجع احترام الاحتياجات الإنسانية، التي تتوافق مع الاستخدام المتوازن والمستدام للموارد الطبيعية، والمحافظة عليها لجميع أفراد المجتمعات والدول مدى الحياة، وتنمية مشاعر الإحساس بأهمية وضرورة التضامن والتعاون والمشاركة على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية كافة.

وتعد القدرة على التنافس والنمو الاقتصادي المستدام من القضايا والتحديات العالمية، ويكمن جوهر «التنافسية المستدامة» في أنشطة النمو الاقتصادي التي تعمل تحت ظروف السوق العادلة، والتي تحسن من سلامة النظم الطبيعية والاجتماعية وتستعيد عافيتها.

خلاصة القول، إن مبادرات وأنشطة منتدى التنافسية الدولي في السعودية، فرصة مهمة لرفع مستوى الوعي والاهتمام بتحديات التنافسية الوطنية والإقليمية والعالمية، وإثراء النقاشات حول قضايا التنافسية وبيئة الاستثمار والأعمال والاستفادة من التجارب الدولية، وإلقاء الأضواء على قضايا التنمية والتنافسية المستدامة وتحدياتها الكثيرة والمتزايدة، التي تعد من القضايا العالمية المصيرية الآن التي تتطلب تضافر واهتمام كافة جهود هيئات وأفراد المجتمعات والدول، ودعم وتشجيع المبادرات والممارسات التنموية التنافسية المبدعة والمسؤولة التي تتيح وتضمن للأفراد والمجتمعات تحقيق مفهوم الاستدامة من أجل حياة أفضل في حاضر ومستقبل الأجيال.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية