إدارة تحت الحصار

TT

كل المؤشرات تفيد بأن شهر عسل الرئيس الأميركي باراك أوباما انتهى سريعا بنهاية العام الأول لحكمه، بحيث يبدو أنه سيكون في 2010 أشبه برئيس تحت حصار لعبة السياسة الداخلية في واشنطن التي ستنشغل في الأشهر المقبلة بالانتخابات النصفية التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وكانت الصدمة التي تلقاها الديمقراطيون بخسارة مقعد ماساتشوستس والتي جعلت الجمهوريين يستطيعون إعاقة مشروعات الإدارة في الكونغرس أول وأبرز المؤشرات على إمكانية أن تقع إدارة أوباما في نفس الوضع الذي وقع فيه آخر رئيس ديمقراطي سابق، بيل كلينتون، عندما كانت الإدارة في حالة مواجهة دائمة مع الكونغرس والجمهوريين فيه.

وظهر ذلك من خلال مواقف بعض الديمقراطيين المترددة في مسألة مشروع التأمين الصحي الذي وضعه أوباما كأولوية في برنامجه الانتخابي. وغير الواضح ما إذا كان سيستطيع تمريره أم لا، وكذلك مسألة التمديد لرئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي بن برنانكي.

وحتى المشروع الذي طرحه أوباما استجابة للغضب الشعبي من عدم تحسن الاقتصاد والأزمة المستمرة التي تسببت فيها ممارسات البنوك والذي يقترح فيه العودة للفصل بين الأنشطة المصرفية التقليدية والاستثمارية وتعاملات الأوراق المالية، ووضع حدود لحجم المصارف لمنع وجود مؤسسة مالية أكبر من إمكانية تركها للسقوط، من المتوقع أن يثير معركة في الكونغرس في ضوء تجييش المصارف جماعات الضغط، ومناورات الحزبين الكبيرين.

كل هذه أنباء ليست جيدة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تعول على جهود واشنطن في إعادة إحياء وتفعيل عملية السلام المتعثرة. فبعد أن كانت الآمال انتعشت بعد إعلان الإدارة الجديدة وضع عملية السلام كأولوية لها لدى مباشرتها عملها في بداية العام الماضي ثم خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة، اعترف أوباما في حديثه إلى مجلة «تايم» الأميركية هذا الأسبوع بأنه لم يكن واقعيا في رفع سقف التوقعات، معتبرا أن الطرفين ليسا جاهزين الآن.

وهو تحد كبير لمنطقة الشرق الأوسط التي لا يوجد لديها ترف الانتظار لعقد آخر من الزمان لرؤية اتفاق سلام، في ضوء اتساع بؤر الأزمات، وكلها لها علاقة بشكل أو آخر بالصراع العربي - الإسرائيلي، وحتى لو لم تكن هناك علاقة مباشرة فإن السير في اتجاه السلام يخلق مناخا مختلفا أكثر تفاؤلا في المنطقة وينعكس على كل القضايا الأخرى.

تحد كبير، لأن التعامل مع إدارة مشغولة تماما بقضايا داخلية وألعاب السياسة في واشنطن، مما يجلعها أقل صبرا وأقل استماعا لمشاكل معقدة في الخارج فيكون كل همهما هو التبريد أكثر من محاولة الدخول في جذور الأزمة نفسها للمساعدة في إيجاد حلول قابلة للاستمرار.

وهو أمر قد يحتاج من الأطراف العربية المعنية أسلوبا أكثر ابتكارا في التعامل مع إدارة أميركية مشغولة بمشاكلها الداخلية وتحتاجها في المساعدة في جهود السلام، وهي مسألة ليست مستحيلة، ومثال على ذلك أن دمشق استطاعت فرض نفسها على الأجندة عندما أطلقت المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية. الأمر يحتاج إلى أفكار ومبادرات لتنشيط الوضع الراكد، لأن الانزلاق في فترة جمود طويلة لن يؤدي سوى إلى حالة إحباط مدمرة.