الدستور يقف عقبة في طريق إصلاح الرعاية الصحية

TT

على الرغم من اعتقاد الديمقراطيين أن مشروع القانون الذي طرحوه بشأن الرعاية الصحية يمر بسلاسة عبر الكونغرس في طريقه نحو التنفيذ، فما تزال هناك عقبة في الطريق، تتمثل في حاجز دستوري أمام جوهر التشريع المقترح. وعلى الديمقراطيين، الذين يفترضون أنه من الدستوري إجبار الأميركيين على شراء تأمين صحي، الإجابة عن بعض التساؤلات:

هل سيكون من الدستوري أن تشرع الحكومة فرض ممارسة ألعاب الجمباز على جميع الأميركيين؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلم؟ وإذا كانت بالإيجاب، فكيف يتسق هذا مع تمتع البلاد بحكومة دستورية، بمعنى محدودة؟

يقول أنصار التشريع المقترح إن الكونغرس بإمكانه فرض القانون الجديد في ظل السلطة التي يتمتع بها في تنظيم التجارة بين الولايات. جدير بالذكر أنه منذ عهد «الاتفاق الجديد»، عمدت المحاكم إلى توسيع نطاق هذه السلطة بما يكفل لها أن تشمل النشاطات بين الولايات التي «تؤثر بدرجة بالغة» على التجارة البينية. وعليه، تمكن الكونغرس على نحو دستوري من حظر التمييز العنصري في «الأماكن الخدمية العامة» - مثل المطاعم والفنادق.. إلخ - باعتبارها عائقا أمام النشاطات التجارية بين الولايات بعضها وبعض.

أما معارضو مشروع القانون فيرون أنه إذا لم تكن الفقرة المتعلقة بالتجارة تتسم بمرونة مطلقة - وفي هذه الحالة يصبح في مقدور الكونغرس فعل أي شيء - فإنها لا تخول للكونغرس سلطة تجريم عدم اتخاذ نشاط يتمثل في عدم تنفيذ صفقات تجارية، أو شراء منتج (في هذه الحالة التأمين الصحي) من جهة توريد خاصة.

من جهته، قال السيناتور أورين هاتش: «بمقدور الكونغرس تنظيم النشاطات التجارية التي يختار الأفراد الدخول فيها، لكن ليس بمقدوره مطالبتهم بالدخول في مثل هذه النشاطات التجارية». وأضاف أنه إذا كان بمقدور الكونغرس فرض إجراءات شراء معينة لمساعدة الاقتصاد، فإنه لم تكن هناك حاجة إذًا لبرنامج «المال مقابل الخردة»، حيث كان باستطاعة الكونغرس إصدار أوامر للمواطنين بشراء سيارات (مع توفير دعم لهم إذا لزم الأمر). إذًا، لماذا لا نمرر قانونا يحظر تناول البطاطا أثناء الاضطجاع على الأرائك وجعل التدريبات الرياضية الجمبازية إلزامية وفرض غرامة (ضريبة) بقيمة 50 دولارا على من يتناولون «تشيز برغر» لأن أنماط الحياة غير الصحية تؤثر على التجارة بين الولايات؟ وأشار هاتش إلى أن كثيرا من الليبراليين أصروا على مدار ثمانية أعوام على أن «الدستور يقر حدودا قاطعة وواضحة يجب على الرئيس الالتزام بها». لكن إذا سلمنا بأنه لا توجد قيود على سلطة الكونغرس في إعلان جميع الإجراءات التي يفضلها «ضرورية وملائمة» من أجل تنظيم التجارة، فإن ذلك يعني أن الدستور لا يحوي قواعد تسيطر على عمل الكونغرس.

من جهته، أشار ستيوارت تايلور، أحد المحللين الحكماء للشؤون القانونية، في مقال له نشرته «ناشونال جورنال»، إلى أن المحكمة العليا ربما تؤيد دستورية تمتع الكونغرس بسلطة فرض شراء الرعاية الصحية لسببين؛ أولهما: أن الأفراد غير المؤمن عليهم يخلفون تأثيرات اقتصادية كبرى بسعيهم نحو الحصول على رعاية مجانية في غرف الطوارئ. ثانيا: لأن هذا الأمر، من وجهة نظر الكونغرس، «ضروري وملائم» لتمويل إصلاح الرعاية الصحية. بيد أنه إذا كان يمكن إعلان أن نشاطا ما أو عدم القيام بنشاط ما يخلف تداعيات اقتصادية، فإن ذلك يعني إمكانية تنظيم أي شيء، أو فرضه. علاوة على ذلك، فإن المراجعة القضائية - والدستور ذاته - يصبحان باطلين في الجزء الأكبر منهما حال تطبيق فكرة الالتزام القضائي غير المحدود بتقديرات الكونغرس لما يعد «ضروريا وملائما» عند تنظيم شؤون التجارة. وإذا ما أقدم الكونغرس على الإتيان بأمر خارج نطاق سلطاته الدستورية، فإن هذا الأمر لا يصبح دستوريا إذا أعلن الكونغرس أنه ضروري لخدمة هذا الغرض أو ذاك.

وأوضح تايلور أن البديل أمام المحكمة لدعم تمتع الكونغرس بمثل هذه السلطة يتمثل في إلغائها «مبادرة التوقيعات» التي أطلقها الرئيس، وهو «أمر لم تفعله أي محكمة خلال أكثر من 70 عاما، لسبب وجيه»، وهو واجبها العام تجاه احترام القرارات الحكومية التي جرى التوصل إليها على نحو ديمقراطي. أما فيما يتعلق بالمراجعة القضائية، فلنكن صرحاء: الإشراف القضائي على الديمقراطية يثير قلق من يؤمنون، عن طريق الخطأ، بأن الهدف الرئيس من الدستور ليس إلا توفير هيكل مؤسساتي للديمقراطية. ويعتقد أبناء هذا الفريق أن وجود حكومة، قائمة على السيادة الشعبية، يعد بوجه عام أهم بكثير ممّا تفعله الحكومة. وعليه، ينبغي على المحاكم إبداء احترامها، على نطاق واسع، للقرارات التي جرى التوصل إليها ديمقراطيا. وتلك هي وجهة النظر التي ينتهجها المحافظون الذين ينددون، غالبا من دون دقة، بـ«الحراك القضائي».

أما العناصر المحافظة الحقيقية فتكوّن موقفها انطلاقا من اعتقادها أن الغرض الرئيسي من الحكومة ليس تنظيم عملية تنفيذ ما تميل إليه الأغلبية من قرارات، بل حماية الحقوق الفردية القائمة، وعلى رأسها الحرية. وعليه يفضل هذا الفريق من المحافظين الحراك القضائي الذي يجري فهمه باعتباره الالتزام الحازم بدور المحاكم في توفير هذه الحماية. ويتضمن هذا الدور رفض اعتداء الكونغرس على الحرية بما يخالف السلطات الممنوحة له.

ويفوق هذا التفاعل الإجباري، مع نص الدستور والمنطق، أي التزام آخر باحترام الإجراءات التي تتخذها الحكومة لا لشيء إلا لأنها تعكس سيادة شعبية.

الواضح أن هذا الفريق الأخير من المحافظين أصدق في التزامه بالتوجهات المحافظة عن الفريق السابق له، لأنه يتبع مبادئ أقوى تقوم على مقاومة إملاءات الأفراد على حساب تقلص الحريات.

* خدمة «واشنطن بوست»

- خاص بـ«الشرق الأوسط»