ولا أمل في النجاة؟!

TT

الشاعر من الممكن أن يكون أعمى.. والناقد لا بد أن يكون مبصرا. ولذلك لم يكن الشعراء في كل العصور في حاجة إلى أن يروا المحبوب وإنما يكفيهم رؤيته مرة واحدة أو الاستماع إليه مرة واحدة. أو من الممكن أن يتخيلوه. فالمؤرخون يشككون في وجود المجنون وليلى.. وإنما يرون أن هذا شعر فولكلوري - شعر قيل وتناقله الرواة ولا أحد يعرف من الذي نظمه.. ومن هي ليلى..

والشاعر مصطفى صادق الرافعي أحب مي زيادة وتخيل وقال ونظم وذهب بعيدا.. وهو لم يرها إلا مرة واحدة. وهي تقول إنه لم يدُر بينهما أي كلام..

والشاعر أحمد رامي كانت له ملهمات كثيرات.. آخرهن فتاة جميلة من دمشق.. وقد رأيناهما معا وكان اللقاء دقائق. فما الذي قاله وما لم يقله أحمد رامي؟ قال كثيرا عن الفتاة الدمشقية التي لم يعرف اسمها ولا عرف كيف يهتدي إليها..

وكان الشاعر صالح جودت يلتقي بفتاة جميلة من الإسكندرية. لا هو يذهب إليها ولا هي تجيء إليه. وإنما يلتقيان دقائق في مدينة طنطا - أي منتصف الطريق بين القاهرة والإسكندرية. وقد رأيتها وهي جميلة. وكان قد التقى بها مرتين!

وأستاذنا العقاد هام جنونا بفتاة صغيرة.. كان ينتظرها وراء الباب بالساعات. فكانت تجيء وتترك ورقة صغيرة من تحت الباب تعتذر فيها الفتاة السمراء عن التأخير ثم تدق الباب والأستاذ يرفض أن يفتح. وبس!

والشاعر الإيطالي العظيم دانتي قلب الدنيا شعرا وكلاما وكانت المحبوبة فتاة صغيرة رآها في بيتها وكانت في الثامنة من عمرها. ثم رآها بعد ذلك التاريخ بتسع سنوات.. وكانت ملهمته في الملحمة الرائعة المروعة (الكوميديا المقدسة). وهي من ثلاثة أجزاء؛ الأول: الجحيم، والثاني: المطهر، والثالث: الفردوس..

وكانت هي دليله ومرشده في الفردوس. وهذه الكوميديا المقدسة تمت في السنة التي توفي فيها دانتي سنة 1321 وماتت المحبوبة وعمرها 24 سنة!

هذه المحبوبة اسمها بياترتيشه شقراء ذهبية الشعر زرقاء العينين.

ونقرأ الكوميديا ونقف عند كثير من أبياتها الجميلة وننزعج من الذين أدخلهم الشاعر في جهنم..

تبقى إلى الأبد هذه العبارة التي كتبها الشاعر على باب جهنم:

«أيها الداخلون اتركوا وراءكم كل أمل في النجاة»!