ابتعاث جيش من السعوديين

TT

كنت واحدا من المحظوظين الذين منحوا فرصة التعليم في الخارج، وككل الذين مروا بالتجربة وعرفوا قيمتها، ليس لي إلا أن أتمنى الشيء نفسه لكل من ينشده، التعليم الأفضل في أي مكان يوجد في العالم. فالأهم هو الاستثمار في الإنسان وتطوير قدراته الذي بدوره يبني مجتمعه وفق علمه وإمكانياته، ولا يوجد هناك من مخرج سوى التعليم الجيد.

مشروع الملك عبد الله للابتعاث الخارجي أحيا هذا الأمل، حيث أرسل نحو مائة ألف طالب وطالبة من السعوديين للدراسة في جامعات العالم المتقدمة، من أستراليا واليابان في أقصى الشرق إلى الولايات المتحدة في آخر الدنيا غربا. أهمية مشروع الابتعاث أنه قادر على تغيير خارطة التفكير والتعليم وقادر على نقل البلاد سريعا إلى الأمام بدل الانتظار في قطار التنمية البطيء التأثير.

ولأننا نعرف أن التنمية أساسها الإنسان، لا الأسمنت والحديد، فإن التعليم مفتاحها. وإذا كان هناك من علاج من على رف الصيدلية لمداواة أوجاع التعليم العاجلة فإنه يتمثل في الابتعاث الخارجي إلى حيث التعليم الجامعي والعالي الأفضل، حل أسرع ونقل مباشر.

بإرسال هذا العدد الكبير من الشباب في تخصصات علمية مطلوبة يتحقق عمل كبير يستحق التقدير، رغم ضخامة تكاليفه وصعوبات ترتيبه سياسيا وإداريا. ليس سهلا في الظروف السياسية الحالية شحن هذه الأعداد الهائلة من الشباب للدراسة في الجامعات الغربية. فقد تغير العالم اليوم ولم يعد هناك ترحيب بطلابنا مهما كانت الحكومة كريمة في الإنفاق عليهم، لكن مع الإيمان بالفكرة وبوجود الإرادة السياسية نجحت، وتم ابتعاث حتى الآن أكبر عدد من الطلاب في أهم الجامعات يدرسون أكثر التخصصات ضرورة. وكانت مجلة «تايم» قد أجرت تحقيقا في عام 2006 عندما سمعت عن بدء أفواج من الطلاب السعوديين الالتحاق بالدراسة الجامعية في الولايات المتحدة، كان ذلك مناقضا للمناخ السياسي المتوتر. وبالفعل بدأت تحقيقها بالإشارة إلى أن السعوديين عادوا بعد أن جف ينبوع الابتعاث فترة التوتر الأخيرة.

الحقيقة أن الملك عبد الله جعل التعليم في المرتبة الأولى من اهتماماته، حيث أمر بإنشاء عدد كبير من الجامعات، وأثار الحماس بينها لرفع مستوياتها، وخصص لتطويرها أكبر ميزانية في تاريخ البلاد، وأكمل السلسلة بإرسال جيش من المبتعثين للدراسة في الجامعات البارزة عالميا، وأقر الأسبوع الماضي مشروع ابتعاث جديد آخر يرسَل فيه عددٌ مماثل خلال السنوات الخمس المقبلة لضمان استمرارية التعليم النوعي.

والتعليم اليوم مسألة نوعية لا كمية فقط. فقد صارت التخصصات العلمية المطلوبة هي المقياس في الابتعاث، وقواعد مطلوبة عند تأسيس الجامعات المحلية الجديدة، والدرجات العلمية العليا ضرورة للطالب المبتعث. وهناك لا يدرس الطالب العلوم فقط بل يعيش الحياة بكل جوانبها، حيث يتعرف على مناخ ونظام علمي أكثر تقدما ليعود محملا بأكثر من الشهادة الجامعية.

[email protected]