أحمد رجب.. ذلك الساخر أبد الدهر!

TT

الكاتب الساخر أحمد رجب.. يعرفه كل إنسان في عالمنا العربي.. وأنا شخصيا أعتبره كنزا قوميا.. هو للحق شخصية جد محيّرة يصعب أن تتكرر كثيرا في أي عصر أو تاريخ.. وقد حاولت أن أدخل في عالم الفراعنة وأفتش بين جميع عباقرتهم وحكمائهم سواء أكانوا مهندسين بنوا أعظم الأهرامات والمعابد والمقابر أو كتابا وفلكيين وكهنة وأطباء.. فلم أجد واحدا منهم ينافس هذا العبقري المصري الساخر سوى «إيمحوتب» رب المثقفين الذي كانوا يرتلون اسمه وينثرون الماء البارد ترحما على ذكراه وذلك قبل البدء في أي مشروع أدبي أو علمي.. وسألت نفسي: هل كان إيمحوتب يستطيع أن يكتب جملا بسيطة تغني عن كتاب كامل؟

ولكن مع أحمد رجب لم تعد الكلمة فقط ذات معنى كبير، وإنما حتى حروف الجر أصبحت تؤدي معاني خاصة عندما يوظفها أحمد رجب في «نصف كلمة»، التي يكتبها وكأنه يكتب برقية يدفع ثمن كل كلمة من كلماتها بالدولار أو اليورو!

إنه فنان قبل أن يكون كاتبا يختصر المشكلة، بل والحل في بضع كلمات تذوب سخرية وتنتزع الابتسامة من أي إنسان مهما كانت آلامه أو أعباؤه.. وقد شبهته كثيرا بحكيم الفراعنة «جدي» الذي بلغ من العمر مائة عام، ووصل إلى أعلى مراتب العلم، وأصبح ساحرا مميزا أعطى الملك «خوفو» صاحب أعظم بناء في تاريخ الحضارة القديم درسا في حقوق الإنسان حتى إن كان مجرما سجينا، عندما رفض أن يمارس السحر على أحد المجرمين السجناء!

وفي كل لقاء مع أحمد رجب أتعلم شيئا جديدا ومعنى آخر للحياة، وقليلون جدا من يعرفون ما يدور بداخل عقل وقلب أحمد رجب.. ولم أرَ في حياتي إنسانا منغلقا على نفسه بمثل هذه الصورة، فلا أحاديث صحافية ولا برامج تلفزيونية، ولا يمكن لأحد أن ينتزع منه تصريحا أو رأيا في أي مسألة وينشرها عن لسانه. وعندما يحضر أي مناسبة أدعوه إليها بعد إلحاح تجده قد حضر دون أن يلفت نظر أحد وتسلل من بين الحاضرين وجلس في عزلة بعيدا عن الأضواء. وقد حرصت منذ زمن بعيد على محادثته عبر الهاتف لأطمئن عليه ولترتيب لقاء حرصت أن يجمعنا والأصدقاء على الأقل مرة كل أسبوع.

ظل صديقي العزيز إبراهيم المعلم يلح على أحمد رجب أن يكتب «فلاح كفر الهنادوة» أو «نصف كلمة» بجريدة الشروق الحديثة الإصدار، ورفض الأخير رفضا قاطعا وقال إنه لا يمكنه أن يكتب بعيدا عن الأخبار، فهي بيته الذي لا يمكنه أن يتركه وينتقل إلى بيت آخر.. وكنت من المؤيدين لفكرة أن يكتب أحمد رجب موضوعا جديدا بجريدة الشروق مع مصطفى حسين وهما الثنائي الذي لن يتكرر.. ووافق أحمد رجب في أمسية دعانا إليها الصديق حمادة الدمرداش واتفقوا على أن يلتقوا على صفحات الشروق كل يوم أحد في نقد أحد المسؤولين سواء كان وزيرا أو شخصية عامة مؤثرة، وطلب أن يسأل المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المصري قبل الشروع في الكتابة لأنه - على حد قوله - ليس في حالة صحية تمكنه من العيش داخل السجن، أو حتى المطاردة في قاعات المحاكم.

واقترح أن يأتي العمل الجديد بالشروق تحت اسم «حديث لم يحدث» لكي يحميه ومصطفى حسين من المحاكمات والسجون!

سيظل أحمد رجب كما هو بقلب طفل شفاف عندما يحب يفرط في حبه إلى أبعد مدى، وعندما يخاصم تجده عنيدا لا يساوَم ولا يتراجع أبدا.. ثم يأتي عيد الحب كل عام فيرفع سماعة الهاتف ليقول لكل من خاصمهم: كل سنة وأنتم طيبون..