مهلا يا «حماة الحرية»..

TT

لافتة حقا؛ تلك الحماسة التي جمعت وزراء الإعلام العرب والجامعة العربية ولجان الإعلام النيابية والرسمية في عدد من الدول العربية التي انبرت جميعها للتصدي ولـ«دحر» مشروع قرار لمجلس النواب الأميركي يطال بعض الإعلام العربي. والمشروع الذي أثار حمية العرب وينتظر مصادقة الرئيس باراك أوباما عليه يدعو لاتخاذ إجراءات عقابية بحق القنوات الفضائية التي تغذي الكراهية ضد أميركا ويطال عددا من القنوات «المقاومة» سواء لبنانية أو فلسطينية أو عراقية.

معظم هيئات الرأي الرسمية العربية وما يدور في فلكها من إعلام وجمعيات انشغلت بعقد لقاءات وإصدار تقارير وتوصيات لمجابهة قرار أميركي خاطئ بالتأكيد، لكن المفارقة تكمن في آلية المجابهة وفي هوية أولئك الساعين إلى الحيلولة دون الحظر الأميركي؛ هذا إذا تمّ..

إنه زمن الإعلام الرسمي والعقائدي العربي الذي يسعى في ظل تفاهمات سياسية إلى استعادة زمام المبادرة وتثبيت سلطته في الفضاء العربي وتكريس أنماط معينة من التفكير والرؤية بعد أن انزعج من انفلاتات تعبيرية برزت في السنوات الأخيرة..

في لبنان مثلا، انبرت لجنة الإعلام النيابية في شنّ حملة ضد مشروع القرار الأميركي مستظلة بزمن المصالحات على الطريقة اللبنانية. وهذه اللجنة اللبنانية يرأسها نائب من حزب الله المعني بالدرجة الأولى بالقرار الأميركي؛ كون الحظر إذا تمّ فعلا فسيطال قناة «المنار» الناطقة باسم حزب الله. حزب الله الذي لا يجد أي غضاضة في منع الإعلام من التحرك والتغطية بحرية في مناطق نفوذه تحت شعار حماية المقاومة، بل إنه الحزب نفسه الذي أقدم قبل عامين على إقفال وحرق وسائل إعلام لبنانية (ليست أميركية) دون أن يجد من يسائله لا عربيا ولا دوليا..

أما الجامعة العربية التي لم تحرك ساكنا في حفلات كراهية عربية كثيرة، فقد غضت الطرف أيضا حين اندلعت قبل أسابيع حرب إعلامية شعواء امتدت إلى أعمال شغب على خلفية مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر، فهي (أي الجامعة العربية) لم تطالب بإعادة نظر في أداء الإعلامين المصري والجزائري، ولا حذرت من أن ما حدث هو خرق للسيادة وتحريض على الكراهية..

الباحث عن أمثلة لسقطات وإسفافات وقع فيها الإعلام العربي سيجدها كثيرة، والتداخل المتزايد بين الإعلام والسياسة والآيديولوجيا يجعل الإعلام يبتعد رويدا رويدا عن المعنى الأهم له كمحرك أساسي في تطوير الوعي والحريات.

مشروع القرار الأميركي ينتمي إلى منظومة تفكير يشكل رافضوه متنها. فالمطالب بفتح الأجواء، ولكي يكون مقنعا، عليه أن يقدم نموذجه على هذا الصعيد. الأمثلة كثيرة، وما يجعلنا مترددين في الاستجابة لحملة الردود على مشروع القرار الأميركي أيضا كثير. فعلى من يطلب ردّ القرار الأميركي أن يكون في أدائه مقنعا على نفس الصعيد، لا أن تطلق الحملة من قبل جسم إعلامي وسياسي مطعون بصدقيته على مستوى احترام الحريات.

diana@ asharqalawsat.com