يا كايدهم!

TT

في مجال الحرب على الإرهاب تعتبر المعلومة اليوم أحد أهم عناصر هذه الحرب ومن أكثرها فعالية، وفي المواجهات الهائلة ضد تنظيم القاعدة ظهرت شخصيات مختلفة تحلل ظاهرة «القاعدة» بشتى المداخل، ومنهم من رآها على أنها ظاهرة من ضمن ظواهر المنظمات والحركات الخاصة بالإسلام السياسي، ومنهم من رآها على أنها نموذج فريد ومغاير للعنف المغلف بالدين، وأنها بالتالي يجب النظر إليها بصورة تختلف عن الآخرين.

ومن أهم الشخصيات (إن لم نقل أهمها) التي تعرضت بمهارة واحتراف ومهنية عالية لتحليل ظاهرة تنظيم القاعدة هو الإعلامي فارس بن حزام، الذي كان ولا يزال يحاول قراءة وتحليل أسباب عمليات «القاعدة» والتحول في أساليبها وطرق استقطاب العناصر واختيار أماكن الضربات التي تقوم بها، وهو قدم مؤخرا في لقاء تلفزيوني تحليلا في غاية الأهمية، أوضح فيه أنه منذ قيام تنظيم القاعدة بلغت عملياته المدمرة أكثر من 3000 عملية، كان 85% من ضحاياه من المسلمين تحديدا، وبينما هي تتغنى بمعاداة إسرائيل لم تقُم بتوجيه أي ضربة إلى أهداف إسرائيلية صريحة إلا في ثلاث حالات فقط، اثنتان منها كانتا لأهداف يهودية وليست إسرائيلية! وهذا النوع من الطرح المدقق يبين أن تنظيم القاعدة معاد للإسلام والمسلمين في المقام الأول، وأنه مشكلة إسلامية قبل أن يكون مشكلة أميركية أو غربية، وأن الصامتين (وما أكثرهم) والمبررين (وهم ليسوا بالقلة) لتصرفات «القاعدة» يشاركون في الجريمة ويتحملون المسؤولية أيضا.

وعبر التاريخ كان هناك الكثير من الأمثلة التي توضح خطورة أن تكون هناك «مجاميع صامتة»؛ فالألمان لم يكن أغلبهم يوافق على الفكر النازي، ولكنهم كانوا معجبين بالطرح المبدئي له الذي رأوه على أنه إعادة للكرامة والعزة للألمان حتى ارتكبوا المجازر والهوائل والحروب المدمرة وسط صمت الأكثرية، وكذلك فعل الروس مع الشيوعيين منهم حتى تمادى الشيوعيون وحصدوا 20 مليون ضحية، وذات الشيء حدث مع شيوعيي الصين خلال الثورة الثقافية الحمقاء التي حصدت 70 مليون ضحية، وسط صمت الأغلبية الهائلة هناك. اليوم ها هو تنظيم القاعدة المدمر يستمر في قتل وفتك أرواح الأبرياء من المسلمين وغيرهم ويفرز الكثير من المنظمات الشبيهة به التي تؤدي نفس الغرض وتقوم بنفس الأفعال وتحصد ذات النتائج المدمرة، وسط صمت ملحوظ من الأغلبية الساحقة، ويبقى السؤال: إلى متى؟ ولذلك فإن الجهد المهم الذي يقوم به فارس بن حزام يستحق الثناء والتحية، مثله مثل غيره من الأبطال الشجعان الذين يقدمون بالدليل والبرهان القاطع خطورة ما تقوم به «القاعدة» ومن هم على شاكلتها بحق المجتمعات المسلمة وبحق الناس أجمعين. وغير كافٍ أن يتابع الناس ما يقال وكأنه مادة ترفيهية فقط، ولكن عليهم نشر المعلومات المقدمة وكأنها علم عظيم يجب الانتفاع به والاتعاظ منه.

[email protected]