أفول بريق «رئاسي»

TT

راهن كثيرون في العالم العربي، العام الماضي، على رئيس أميركي من لون مختلف عن لون جورج بوش(عرقيا وحزبيا) ليقلع، سلميا، شوك النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وتبعاته الإقليمية، ويعيد الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط المنكوبة بجميع أشكال المواجهات القومية والصراعات القبلية، لنكتشف اليوم أن الرهان السياسي لا يجدي، إلا إذا كان على الذات أولا.

يوم لاحظ رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، هارولد ولسون، أن «الأسبوع الواحد فترة زمنية طويلة في عالم السياسة»، كان يتحدث عن تجربته على الساحة السياسية البريطانية. ولو تسنى له أن يراقب تجربة الرئيس باراك أوباما على الملعب الأميركي لربما استنتج أن سنة رئاسية واحدة في البيت الأبيض فترة زمنية« قصيرة جدا» لكي يفقد رئيس أميركي منتخب بأكثرية ساحقة.. بريقه، وإلى حد ما هيبته.

ولكن ذلك حدث.. وبسرعة غير مسبوقة.

من مفارقات القرن الحادي والعشرين أن يكون ساكن البيت الأبيض في واشنطن رئيسا للولايات المتحدة وصاحب الكلمة الأولى في العالم، في آن واحد. وهذه «الازدواجية» أفرزت رابطا مجحفا بين شعبيته في الداخل ونفوذه في الخارج، بحيث أصبح الرئيس الأميركي «القوي» في الداخل أكثر حضورا على الساحة الخارجية وأكثر استعدادا للتعاطي بالشؤون الدولية، مما يعني أن الدور الدولي المتوقع من أي رئيس أميركي أصبح خاضعا، إلى حد ما، لرضا الناخب الأميركي عن أدائه الاقتصادي والاجتماعي في الداخل.

في هذا السياق، يبدو مقلقا، للعالم الخارجي ككل ولقضية السلام في الشرق الأوسط تحديدا، ذلك التدهور المذهل في شعبية الرئيس أوباما في الشارع الأميركي، خصوصا بعد أن تجاوزت وتيرتها وتيرة انهيار شعبية أي رئيس أميركي سابق، باستثناء جيرالد فورد.

لذلك لا يبدو مستغربا أن تتأثر مهمة جورج ميتشل، مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، بوضع الرئيس أوباما داخل الولايات المتحدة، رغم أن تدهور شعبيته لا يعود، لا من قريب ولا من بعيد، إلى سياسته الخارجية، بل يكاد ينحصر في الوضع الاقتصادي الصعب للولايات المتحدة الذي يفاقمه الارتفاع المتسارع في حجم الدين العام وازدياد معدل البطالة (نحو 10 في المائة) والشكوك المتنامية حيال قدرته على إعادة تحريك الدورة الاقتصادية .

في هذا السياق يمكن اعتبار انتخاب الجمهوري سكوت براون خلفا للديمقراطي إدوارد كنيدي، في معقل الحزب الديمقراطي في ولاية ماساتشوستس، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير إذ جاء إيذانا بانقضاء المهلة الزمنية التي أتيحت للحزب الديمقراطي لإقرار أي تشريع يشاء، بحكم الأكثرية التي كان يملكها في مجلسي الشيوخ والنواب.

إلا أن المؤشر الأبرز على تأثير شعبية أوباما الداخلية على كلمته المسموعة في الخارج صدر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي اختار هذا الظرف بالذات ليتحدى علنا سياسة الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط بعد أن ظل على مدى الشهور الاثني عشر المنصرمة يخاتل ويخادع في رده على مشروعه للسلام القائم على حل«الدولتين»، وليجعل من طلب أوباما وقف الاستيطان في الضفة الغربية العقبة الكأداء في وجه السلام الشامل.

وحين يختار نتنياهو مناسبة غرس شجرة في أرض تجمع غوش عتصيون الاستيطاني في الضفة الغربية ليقول لأوباما: «نؤكد أننا سنبقى هنا وسنبني هنا، وهذا المكان سيكون إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل»، يصبح وصف موقفه «كتحدٍ» لأوباما وصفا مهذبا لما هو أقرب إلى صفعة علنية يوجهها لرئيس الدولة الأعظم في العالم .. والدولة التي لا تزال راعية إسرائيل.

توقيت «تحدي» نتنياهو لأوباما قد يكون أبلغ من التحدي نفسه. إلا أن السؤال الذي يثيره يبقى: هل يظل سلام الشرق الأوسط رهين اللعبة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة.. مع كل ما تتعرض له من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة من اللوبي الصهيوني؟