عالم كريه.. لكن لا خلاص منه

TT

إنه عصر تشابك الأزمات من كابل إلى طهران إلى صنعاء إلى أمستردام إلى واشنطن إلى لندن، والمثال الأوضح يأتي في قصة الطالب النيجيري، هو مهاجر أفريقي مسلم من عائلة ثرية درس في لندن، وفيها تلقى ثقافته الأصولية الأولى، تأثر بأزمات فلسطين والعراق..الخ، فهاجر لليمن لتلقي الثقافة الإسلامية من منبعها، لكنه اختار ثقافة التعصب، «القاعدة» في اليمن فخخت عقله وجسده وشحنته إلى الغرب فاستقل طائرة من هولندا إلى أميركا ليفجرها هناك، لكنه كُشف، فكشف في التحقيقات عن حوالي عشرين شخصا مثله، فذعر الغرب، ودعت لندن إلى مؤتمر دولي لبحث معضلة اليمن بين يدي مؤتمر آخر لبحث معضلة أفغانستان، وحسنا فعل المؤتمرون في التركيز على معضلة اليمن الكبرى، المتصلة بالتنمية السياسية والاقتصادية والتعليمية، بدل التركيز على ملاحقة فلول «القاعدة» بطائرات من دون طيار.

هو عالم متشابك إذن، وكل أزمة تطل من عيني أزمة أخرى، وكلما كانت المشكلة محصورة في نطاق جغرافي وبشري محدود وفي مهلة زمنية محددة، كان ذلك أسهل وأيسر للحل بدل الحرب المفتوحة الشاملة الغامضة. ولا حاجة لتوسيع نطاق الحرب في كل مكان، فكلما كانت المواجهة واضحة ومحددة وسريعة، كان ذلك أجدى للهدف الأكبر: هزيمة التعصب والتخلف ونصرة التسامح والتنمية الحديثة.

من أجل ذلك كانت ردود فعل كثير من السعوديين مستاءة من الإجراءات الأميركية الأخيرة بخصوص تفتيش المسافرين إليها بشكل مستفز للدرجة التي تجعل المسافر نفسه متهما بمجرد عقد نية السفر إلى أميركا. قرارات غير عملية ومضرة في الوقت نفسه، وماذا سيكون حال الأمن الأميركي فيما لو أفلحت «القاعدة»، رغم كل هذه الإجراءات الرهيبة، في تنفيذ عميلة ضد أميركا داخل أميركا؟ هل ستغلق مطاراتها وموانئها؟

حلول عصبية، لكنها غير عملية، تخلق مشاعر سلبية لدى المتعرضين لهذه الإجراءات المهينة، قد يقال: ليكف الجميع عن السفر إلى أميركا، ولكن هذا الطلب هو تماما عكس المطلوب في ترقية الوضع التعليمي وتلقي الخبرات والمهارات المتقدمة، حيث تتربع أميركا في قمة العالم في هذه المجالات. فضلا عن من يأتي للعلاج أو للعمل أو لغير ذلك من الأسباب. هي خطوات ضد عملية هزيمة الإرهاب والتعصب، لأنها عملية معقدة خلاصتها هي في نزع ألغام الكراهية بين المسلمين وغيرهم، والحيلولة دون وجود مناخ ملائم لتفشي خطابات الكراهية داخل المسلمين.

أفغانستان أو الصومال، وربما اليمن، ليست إلا نماذج مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الحال فيما لو نفض العالم يديه منها، ودليل على حجم الضرر الذي يمكن أن يصيب العالم منه، هي أيضا نماذج مخيفة للمدى الذي تصل إليه ثقافة الكراهية والغضب.

نبع البلاء الأسود هو نبع الكراهية، والحل أن نسده أو ننقيه من ملوثات الثقافة والإعلام والسياسة.. والهوس الأمني أيضا.

[email protected]