الشراكات العسكرية ربما تكون السبيل الأمثل نحو السلام

TT

عبر الجنرال ستانلي ماكريستال هذا الأسبوع عن حقيقة يدركها القادة العسكريون أكثر من أي شخص آخر، مفادها أن «الحل السياسي لجميع الصراعات يشكل نتيجة حتمية»، وذلك حسبما صرح لصحيفة «فاينانشيال تايمز». وتكمن المشكلة الرئيسية في الوصول إلى هذه التسوية السياسية على نحو يراه المقاتلون مقبولا. وقد يستغرق هذا الأمر سنوات، بل وربما عقودا.

الآن، تشهد الولايات المتحدة عامها التاسع في قتال متطرفين مسلمين بمختلف أرجاء العالم. وأحيانا تراود التساؤلات كثيرين حول ما إذا كانت واشنطن قد تعلمت أي دروس مستفادة خلال هذه الفترة المؤلمة، أم أنه كتب علينا المضي قدما في خلق مصاعب أكبر في طريقنا. المؤكد أننا لا نزال نخلق مزيدا من المصاعب أمامنا في أفغانستان، حيث يعتقد ماكريستال، القائد الأميركي هناك، أنه لن يكون من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية مرضية إلا إذا مارسنا ضغوطا أكبر على «طالبان». وأعتقد أنه على صواب في هذا الاعتقاد.

إلا أنني أشعر بأن هناك اعترافا متناميا، خاصة في صفوف المؤسسة العسكرية الأميركية، حول ضرورة تخلي الولايات المتحدة عن سياسة الدخول في حروب خارجية كلما ظهرت نقطة صراع جديدة مع «القاعدة». الواضح أن البنتاغون أقر استراتيجية الحرب بالوكالة والتي يقوم بمقتضاها بتدريب قوات دول «صديقة» (أي تلك التي تشاركنا عداء التطرف الإسلامي) من شمال أفريقيا حتى الفلبين.

حتى الآن، لم تعلن إدارة أوباما عن هذا التوجه القائم على بناء «الشراكات» كاستراتيجية رسمية، ولم تحظ الاستراتيجية الجديدة بتغطية إعلامية واسعة. لكن الأمر جدير بإلقاء نظرة دقيقة، لأنه ربما يحمل لنا السبيل الأمثل نحو الدخول في عالم لا تضطلع فيه الولايات المتحدة دوما بدور شرطي العالم المكلف بمحاربة الإرهاب.

ويتمثل جوهر هذه الاستراتيجية في تدريب دول أخرى على محاربة التطرف الإسلامي الذي يهددها بقدر ما يهددنا على الأقل. ومثلما ذكر مسؤول عسكري بارز، فإنه «ليس بإمكاننا التوجه إلى كل مكان تنتشر فيه (القاعدة). وإنما ينبغي العمل على بناء قدرات المؤسسات العسكرية الأجنبية بما يمكنها من التعامل مع هذه المشكلات داخل حدودها».

يشكل اليمن المثال الأوضح على كيف يمكن لهذه «الشراكة» النجاح، وكيف تختلف عن جهود القتال المباشر التي تشنها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. على مدار أكثر من عام، عملت واشنطن على تدريب القوات الخاصة اليمنية والعاملين بوكالات الاستخبارات لديها كي يتعاملوا مع الوجود المتزايد لـ«القاعدة» داخل البلاد. وتمدهم الولايات المتحدة ببعض أكثر الأسلحة والمعدات تطورا، بينما يضطلع اليمنيون بالقتال. وشهدت هذه الجهود نقطة تحول كبرى في يوليو (تموز) الماضي، عندما قرر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن نظامه يواجه تهديدا. وبذلك تحولت المعركة إلى معركته هو وليس معركتنا نحن. في هذا الصدد، علق جنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الذي كان نقطة الاتصال الرئيسة بين واشنطن وصنعاء، بقوله «لقد حصلنا على عناق في يوليو، بالمعنيين الحرفي والرمزي».

عندما كنت مسافرا برفقة بترايوس منذ عدة شهور ماضية، عاينت دلائل على هذا التوجه القائم على تدريب قوات أجنبية في كل مكان توقفنا به تقريبا. والواضح أن هناك تعمدا للإبقاء على مثل هذه البرامج بعيدا عن دائرة الضوء. وأبدى بترايوس تردده حيال مناقشة بعض هذه البرامج، لكن مسؤولين عسكريين آخرين أوضحوا الخطوط العريضة لهذا التوجه.

دعونا نبدأ من آسيا الوسطى، حيث يتمثل الهدف في منع انتشار عدوى «طالبان» إلى الجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي. وعليه، تعمل واشنطن على تدريب قوات خاصة أو وحدات أمنية أخرى في طاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان وقرغيزستان. وسعيا للفوز بتأييد روسيا، تخلى بترايوس عن الخطاب القديم الدائر حول التنافس على موارد الطاقة في آسيا الوسطى، وعمد بدلا من ذلك إلى التأكيد على وجود أعداء مشتركين بين البلدين.

من بين المهام التدريبية الأخرى التي تضطلع بها واشنطن من دون تغطية إعلامية واسعة مساعدتها الدول شرق الآسيوية التي تضم أعدادا كبيرة من المسلمين، مثل إندونيسيا وماليزيا والفلبين. ومع ذلك، تبقى ميادين القتال الكبرى في أفغانستان وباكستان.

يذكر أن البيت الأبيض أجرى أول مراجعة لاستراتيجيته الجديدة في أفغانستان في 15 يناير (كانون الثاني). وصرح مسؤول بارز في البيت الأبيض بأن أوباما أبدى «رضاءه» حيال مستوى التقدم الذي يجري إحرازه هناك. وعكف المسؤولون خلال الاجتماع على تحليل نتائج استطلاعات للرأي أظهرت افتقار «طالبان» إلى الشعبية، وتحسن معدلات التجنيد في الجيش الأفغاني، وتحسن الأوضاع الأمنية في بعض ضواحي ولايتي هلمند وقندهار، واتخاذ خطوات لضمان وصول 905 على الأقل من القوات الإضافية التي قرر الرئيس أوباما إرسالها، وتبلغ 30.000 جندي، بحلول أغسطس (آب).

يكمن الميدان الأكثر صعوبة في هذا الصرع في باكستان. ويبدو الدور الاستشاري الأميركي واضحا هناك، حيث يتولى نحو 100 من جنود القوات الخاصة الأميركية «تدريب مدربي» فيالق الحدود الباكستانية. إلا أن الباكستانيين رفضوا الأسبوع الماضي بناء شراكة أوثق، مشيرين إلى أنهم سيرجئون المرحلة القادمة من حملتهم ضد متطرفي «طالبان» لستة أشهر.

بوجه عام، يدور مفهوم الشراكة حول المصالح المشتركة، ويوفر القتال الأميركي ضد «طالبان» لباكستان فرصة ذهبية لضمان تأمين المناطق القبلية على امتداد حدودها الغربية للمرة الأولى في تاريخها - مع توافر قوات أميركية ضخمة على الجانب الآخر من الحدود يمكنها تقديم العون.

لن تبقى القوات الأميركية في أفغانستان إلى الأبد، فكل حرب لها نهاية. ولذلك، ربما يفوت الباكستانيون على أنفسهم الفرصة الراهنة، الأمر الذي سيكون بمثابة خطأ تاريخي. لكن مثلما أدرك القادة العسكريون الأميركيون أخيرا، فإن هذه الحرب تبقى حربهم هم، وليست حربنا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»