هل تعيد إيران النظر في علاقاتها ببريطانيا؟

TT

تدهورت العلاقات الإيرانية البريطانية بعد أحداث الشغب التي عصفت بإيران بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية وهُزم فيها المرشحان مير حسين موسوي ومهدي كروبي واحتجا على نتائج الانتخابات.

إيران وعلى لسان أعلى مسؤوليها اتهمت بريطانيا بالتدخل في الشأن الداخلي، وذلك عن طريق تأسيس قناة باللغة الفارسية قبل الانتخابات الرئاسية وتزعمها حملة إعلامية ودبلوماسية ضد نظام الجمهورية الإسلامية. وطالب عدد كبير من أعضاء البرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا، ولكنّ عددا آخر طالب بتخفيض مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال نظرا لوجود علاقات سياسية واقتصادية وثقافية متطورة بين البلدين.

ومن المقرر أن يناقش البرلمان الإيراني قريبا مع مسؤولي وزارة الخارجية قضية إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، واتخاذ قرار نهائي حول هذه العلاقات التي أصبحت متوترة بعد أحداث العنف، مع أن سفير بريطانيا في طهران نفى أي تدخل لبلاده في الشأن الداخلي الإيراني، معتبرا أن تأسيس قناة تلفزيونية باللغة الفارسية لا يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي الإيراني، بل إن تلفزيون «بي بي سي» الفارسي يقوم ببث برامجه بصورة محايدة. ونفى السفير البريطاني أي تدخل لموظفي السفارة في الأحداث، واعتبر اعتقال عدد من الموظفين المحليين واعتراف أحدهم بالتعاون مع المتورطين في أحداث الشغب أمرا غير صحيح.

بعد أحداث العنف في إيران لم تتدهور العلاقات الإيرانية البريطانية فحسب، بل إن العلاقات الإيرانية الفرنسية قد تدهورت أيضا نظرا إلى تصريحات المسؤولين الفرنسيين حول الاشتباكات وأعمال العنف في إيران ودعم المسؤولين الفرنسيين للمتظاهرين. وتبادل المسؤولون الإيرانيون والفرنسيون كلمات جارحة، واتهم المسؤولون الإيرانيون الفرنسيين بالتدخل في الشأن الإيراني، وكان اعتقال الفرنسية كلوتيد ريس، الأستاذة المنتدبة إلى جامعة أصفهان، خلال المظاهرات في طهران قد زاد التوتر، إذ اعترفت كلوتيد بأنها شاركت في المظاهرات وأرسلت تقريرا عن الأوضاع المتوترة إلى سفارتها في طهران، ولكن محكمة إيرانية وافقت بالإفراج عنها بكفالة على أن لا تغادر إيران.

أما العلاقات الإيرانية الأميركية التي كانت متوترة أصلا فقد توترت باضطراد إثر تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ودعمهما للمتظاهرين في إيران. وقد اتهمت طهران الأميركيين بالتدخل في الشأن الداخلي، واتهمت الـ«سي آي إيه» بالعمل على الإطاحة بالنظام الإسلامي في إيران على غرار ما فعلته الـ«سي آي إيه» عام 1953، إذ أسقطت حكومة الدكتور محمد مصدق وقضت على حكم ديمقراطي في إيران وأعادت الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم ودعمته لمدة ستة وعشرين عاما ضمانا لمصالحها. ويتهم الإيرانيون الأميركيين بالعمل الجاد لإسقاط النظام ويؤكدون دور الـ«سي آي إيه» في هذا المجال.

وكان الكونغرس الأميركي قد خصص العام المنصرم مبلغ 20 مليون دولار، كما خصص هذا العام 45 مليون دولار للدعاية الموجهة ضد النظام في إيران من أجل الإطاحة به والإتيان بنظام علماني مكانه، إلا أن إيران ردت على الخطوة الأميركية بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار لمواجهة الخطة الأميركية ومن أجل فضح المؤامرات الأميركية ضد شعوب المنطقة والدعم الأميركي المستمر لإسرائيل.

لم تصمت وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية منها وشبه الحكومية تجاه ما قامت به القنوات التلفزيونية الأوروبية والأميركية التي كانت تضخم الأحداث في إيران وتوحي للشعوب الأوروبية والشرق أوسطية بأن نظام الجمهورية الإسلامية على وشك الانهيار، بل قامت بهجوم مضاد على وسائل الإعلام الدولية والإقليمية التي استمرت لأشهر معدودة بتضخيم الأحداث والإيحاء بنهاية النظام الإيراني، واتهمتها بالتواطؤ مع بعض الشخصيات الإصلاحية لتشويه سمعة النظام في إيران.

وبعض القنوات الأوروبية والعربية التي انبرت خلال أحداث العنف في طهران بالدفاع عن المحتجين وإعطاء الوعود لمشاهديها بسقوط النظام خلال أيام، كانت تجري لقاءات مع بعض الشخصيات المعارضة التي تعيش في باريس ولندن وتسألهم عن توقعاتهم بسقوط النظام في إيران، ولكن بعض الخبراء عن الشؤون الإيرانية، ومنهم الأميركيون، كانوا يستبعدون سقوط النظام خلال الأشهر القليلة المقبلة إلا واحدا من زعماء المعارضة توقع قبل ثلاثة أشهر سقوط النظام في إيران خلال شهرين. ولكن الخبير الأميركي رد عليه في تلك المقابلة بالقول إن بعض زعماء المعارضة يتوقعون منذ ثلاثين عاما سقوط النظام، ولم يسقط، وعلى الأميركيين والأوروبيين أن يبحثوا عن سبل أخرى غير مجموعات المعارضة.

واللافت في هذه المقابلة التي أجرتها قناة «الحرة» أن المعارض الإيراني كان يناشد الأميركيين والأوروبيين بتقديم العون والمساعدة والدعم المادي لمجموعته حتى تتمكن هذه المجموعة بالأموال الأميركية والأوروبية من إسقاط النظام بأسرع وقت ممكن، في حين أن زعماء هذه المنظمة والمنظمات الأخرى يعيشون منذ ثلاثين عاما في الولايات المتحدة وأوروبا وينعمون بملايين الدولارات المخصصة من قبل الكونغرس من أجل الإطاحة بالنظام الإيراني. وقد احتج الزعماء الإيرانيون على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وخصوصا بريطانيا، ووصفوا مواقف مسؤوليها بالعدائية تجاه إيران بسبب تصريحاتهم النارية وتوجيه قنوات باللغة الفارسية باتجاه إيران لتحريض الشعب ضد الحكومة، ودعوة الناس للتظاهر والخروج للشوارع، والعمل على تغيير النظام، في حين أن الأميركيين والأوروبيين يعلمون جيدا أن قوات حرس الثورة (الباسداران) وقوات التعبئة (الباسيج) شكلت منذ الأيام الأولى للثورة للدفاع عنها والوقوف ضد أي تدخل أو أي هجوم عسكري أميركي أو إسرائيلي أو غربي ضد المنشآت النووية والقواعد العسكرية والصاروخية داخل الأراضي الإيرانية، وقد أثبتت الأحداث أن هذه القوات تدخلت لوقف أعمال العنف، وتمكنت من وضع حد لها.

والسؤال المطروح في إيران هو: هل الحكومة ستبادر أخيرا إلى إعادة النظر في العلاقات الإيرانية البريطانية أو ستخفض مستوى العلاقات معها، أم أنها ستكتفي بالاحتجاج على تدخل البريطانيين في شؤون إيران الداخلية، معتبرة أن هذا التدخل لن يكون له أي تأثير على الشارع الإيراني؟

* كاتب وصحافي إيراني.