من لا يرحم.. لا يرحمه الله

TT

العاملات المنزليات، أو الشغّالات، وبعضهم يتلذذون بتسميتهن الخادمات، ولو كان لهم من الأمر شيء لأطلقوا عليهن اسم «العبدات أو الجاريات»..

هؤلاء النساء «الغلبانات» أتين من بلاد بعيدة، فقيرة، للعمل في البلاد العربية، وتحملن الغربة، ومفارقة الأهل والأزواج والأبناء في سبيل الحصول على لقمة عيش كريمة، فوقع الكثير منهن - ولا أقول جميعهن - في أيدي من لا يخافون الله، وليس في صدورهم ذرة من الإنسانية، فساموهن سوء العذاب.

والذي دعاني إلى الكتابة في هذا اليوم عن هذا الموضوع الذي عصر قلبي من شدة الألم، هو ما قرأته من «ريبورتاج» كتبته كارولين عاكوم في هذه الجريدة، بتاريخ 18/12/2009، وكل موضوعه كان يدور في لبنان فقط، أما عن بقية البلاد العربية الأخرى، فقد يكون فيها ما هو أشد وأدهى.

قد يقال إن هناك قانونا، أو نظاما، أو عقودا توقع على الورق لتضمن حق الأجيرة، ولكنه للأسف مجرد حبر على ورق «تبلّه في النهاية، وتشرب مويته»، فليس هناك متابعة من الدولة، ولا أي تلاؤم، أو تطبيق لحقوق الإنسان.

وثبت عمليا أن إحدى الشغالات أمضت فترة سنتين ونصف سنة لم تحصل فيها على راتبها، من دون أن تتمكن من الاتصال بأهلها، وظلت طوال تلك المدة مسجونة داخل البيت.

وأخرى تعمل طوال ساعات النهار وبعض ساعات الليل بمفردها في منزل يتطلب تنظيفه جهد ثلاث عاملات.

وثالثة لا تتلقى من ربة المنزل غير الضرب، وأقله بالحذاء.

ورابعة لا تنام إلا تحت الدرج مع كلب العائلة.

وخامسة يتحرش بها جنسيا سيد الدار، وكأنه قد اشتراها بحر ماله.

وسادسة، وسابعة، إلى ما شاء الله من المآسي والفضائح التي يندى لها الجبين، ولا أريد أن أصدع رؤوسكم بالمزيد منها، فيكفي صداع رأسي مما قرأته.

هل تصدقون أن متوسط الموتى من أولئك العاملات البائسات وصل في لبنان إلى «ثماني» حالات وفاة «شهريا»؟! وأكثرها يلفه الغموض، رغم أن الانتحار هو الدافع الرئيسي لذلك.

وهنا، لا بد أن استدرك لكي لا أكون متجنيا، وأقول: إن الناس ليسوا سواسية في المعاملة، فهناك من يرحمون، ويعطفون، وينزلون العاملة منزلة ابنتهم في المحافظة والخوف عليها، وفي المقابل هناك من يتملكهم «مركب النقص»، فلا يجدون أمامهم غير هؤلاء «الضعيفات» اللواتي لا حول لهن ولا طول، ليفجروا بهن عقدهم النفسية.

مثل تلك السيدة الخليجية «المتعافية» التي لم تجد عقابا لشغالتها المسكينة التي وقعت من يدها آنية من «الكريستال»، فتدشدشت على الأرض، فما كان من سيدتها بكل بساطة إلاّ أن تسخن مكواة الملابس، وتحرق بها يدها. فحقدت عليها الشغالة، ولم تنس ذلك أبدا. وفي يوم من الأيام، طلبت تلك السيدة من الشغالة أن تعمل لها «مساج»، وفعلا خلعت ملابسها، ثم انبطحت بكل «قلاطة» على المقعد المستطيل، في الوقت الذي كانت الشغالة تتوقع ذلك، وجهزت حالها تماما لاستغلال تلك الفرصة التي لن تعوض، حيث إنها قد شبكت مقدمي المكواة بفيش الكهرباء، وما كان منها إلاّ أن تعمل المكواة بأشد ما أعطاها الله من قوة في مؤخرة سيدتها وشعوتها، ولطعتها لطعة لن يذهب أثرها، وستصبح علامة فارقة طوال حياتها. صرخت السيدة بطول صوتها، وقفزت الشغالة هاربة، بعد أن أقفلت عليها الباب بإحكام، وخرجت إلى الشارع، بعد أن قذفت بالمفتاح، ولم يردها غير سفارة بلادها.

طبعا، كسروا الباب على السيدة، ونقلوها إلى المستشفى، ولا أدري ماذا حل بها وبمؤخرتها بعد ذلك؟!

[email protected]