عندما استعطى ماركيز

TT

أصبح أحد أغنى كتاب العالم. لا نعرف مدى ثروته، لأنه لا يعرفها، هو أيضا. إذ بين اليوم وغدا قد تضاف إليها دفعة جديدة من العائدات. لا تزال رواياته تباع كأنها صدرت بالأمس. خصوصا تلك الرواية التي نقلته من عالم الفقر إلى عالم الشهرة والثراء وجائزة نوبل: «مائة عام من العزلة».

إلى أي مدى كان غابرييل غارسيا ماركيز فقيرا؟ نعرف جميعا أنه كان معوزا. وأنه شقي كثيرا. وأن بداياته، في كولومبيا، كانت صعبة جدا: الابن البكر لعامل تلغراف، وأم سوف تلد عشرة أطفال. ومن ثم يصبح ماركيز صحافيا، لكن ذلك لا يعني الغنى في كولومبيا، ولا حتى الكفاية.

الآن، في كتاب بعنوان «فيدل وغابو»، عن الصداقة التاريخية التي جمعت بين ماركيز وفيدل كاسترو، نقرأ أن «غابو» جاء مشردا إلى باريس منتصف الخمسينات. نام الليالي الباردة على مقاعد الحدائق. وكان رجال الشرطة يطردونه، اعتقادا أنه جزائري، في ذروة الحرب الجزائرية ضد الفرنسيين. وعندما لم يكن نائما على مقعد في شتاء المقاعد، يحاول النوم في محطات المترو، وكان يطرد كذلك. ولم يطلب النوم فقط في محطات المترو، بل وقف أيضا يستعطي ويطلب بضعة سنتيمات يشتري بها الخبز!

ثم خلال رحلة إلى المكسيك قال لزوجته، مرسيدس «لقد اتخذت قراري. لا كتابات سياسية بعد اليوم، ولا مطالعات، ولا محاولات. سوف أنصرف إلى الرواية. وسوف أرويها للناس كما كانت تفعل جدتي، حين كانت تحكي لي تلك الحكايات الغريبة، بدءا بحكاية الأب الذي يأخذ ابنه لرؤية الجليد».

عاد إلى كولومبيا وباع سيارته، وأمضى 14 شهرا في وضع «ليلة الشر»، التي أعتبرها شخصيا أجمل أعماله وأهمها. وبعدها بسنوات قليلة وضع «مائة عام من العزلة». ولم يصبح كاتبا عالميا فقط، بل شخصية لاتينية كبرى. وقرر أن يضع شهرته في خدمة صديقه كاسترو والثورة الكوبية. وهي صداقة مستمرة إلى الآن، بين رجلين ينادي بعضهما بعضا باسم التحبب: فيديلتو وغابو. ولا يعرف أحد صداقة بلغت هذا المدى واستمرت كل هذه السنين، بين كاسترو وإنسان آخر.