دروس صعبة من العام الأول لرئاسة أوباما

TT

استهل الرئيس الأميركي باراك أوباما عامه الثاني في البيت الأبيض بمعدلات أقل لشعبيته، يبدو معها وكأنه رونالد ريغان الثاني، حيث لم يلقَ من بين الرؤساء الأميركيين في الفترة الأخيرة سوى جيبر (اللقب الذي أخذه ريغان عن دور لعبه في أحد الأفلام عام 1940) مثل هذه الدرجة من الشعبية المنخفضة في تقدير الناخبين في هذه المرحلة من رئاسته.

ولكن في النهاية سارت الأمور على نحو أفضل بالنسبة لريغان، وهو ما تمثل في انتصاره الساحق في الانتخابات في فترة رئاسته الثانية ونجاحه في تغيير مسار البلاد والعالم وولع الحزب الجمهوري به. وفي هذا السياق يمكن فهم الهدوء الذي يتمتع به المستشارون السياسيون لأوباما، فقد كان عاما عسيرا، اضطر الرئيس خلاله إلى اتخاذ عدد من القرارات كان يعلم مسبقا أنها لن تحظى بالتأييد السياسي. وبالنظر إلى التاريخ سنجد أن نسب التأييد المبكرة للرئيس أوباما لم تكن تعكس الكثير بشأن ما سيؤول إليه وضعه السياسي في 2012، ناهيك بمعدل التأييد الذي سيحظى به في نهاية فترة رئاسته. لقد كان البيت الأبيض صائبا في عدم انزعاجه.

لكن الهدوء ليس كالرضا عن النفس، وهناك الكثير من الدروس المهمة التي ينبغي على أوباما وفريقه استخلاصها من العام المنصرم إذا كان يرغب حقا في تحقيق هدفه بأن يصبح الرئيس الذي يحدث تحولا تاريخيا مثلما كان ريغان.

وإن المعارضة الصريحة للرئيس أوباما والقيادة الديمقراطية في الكونغرس متحفزة للغاية وعلى أهبة الاستعداد للخروج والتظاهر ضده، بينما لم يعد التأييد الصريح للرئيس واضحا بما يكفي.

وترجع فجوة الحماسة لعدة أسباب، بعضها خارج عن سيطرة الرئيس، مثل قرار الجمهوريين بعرقلة المبادرات المحلية لأوباما، وبالتالي مثلت رسالة «لا لواشنطن» رسالة قوية في الوقت الذي يشعر فيه الكثير من الأميركيين بالقلق إزاء المستقبل. وعلى الرغم من أن الرئيس لديه وسائل تمكنه من التصدي لمثل هذه الرسالة، فإن أوباما لم يعط القاعدة الليبرالية للحزب الديمقراطي الكثير ليلتفوا حوله. فقد انتهى الحال بالتشريع المتعلق بإصلاح الرعاية الصحية، الذي سعت الإدارة والكونغرس جاهدين لتمريره باعتباره «أفضل ما يمكننا أن نطمح إليه». وذلك على الرغم من أن مشروع القانون الذي طرحه مجلس الشيوخ يعد في الكثير من جوانبه إنجازا، خصوصا في ما يتعلق بتغطية 31 مليون أميركي لم يكن التأمين الصحي يشملهم، بالإضافة إلى الحرص على أن لا يتم حرمان أحد المواطنين من التأمين الصحي نظرا لمعاناته من أحد الأمراض بالفعل.

ولكن على التقدميين التخلي عن فكرة خيار التأمين العام، وعلى العمالة المنظمة التوصل إلى تسوية بشأن فرض ضرائب على خطة التأمين الصحي المعروفة بكاديلاك. وقد تشيد هذه الدوائر الانتخابية النشطة بالنتيجة النهائية في نهاية الأمر، ولكنها لن تقفز من الفرح.

وعلى الصعيد الاقتصادي قد لا يكون بمقدور الإدارة فعل شيء أكثر مما فعلت لتخفيف الآلام التي يشعر بها الكثير من الأميركيين، لكن البيت الأبيض لم يؤكد سوى أخيرا أن البطالة هي قضيته الأولى، وأنه ليست هناك حاجة ملحة حتى الآن للحجز على الرهون العقارية. وعلى النقيض، تم النظر إلى إنقاذ «وول ستريت» على أنه حالة طوارئ، وجاء إعلان البنوك عن تحقيق أرباح ضخمة وعودتها لدفع مكافآت كبيرة مثلما كان الحال في الماضي مثيرا للحنق.

ومن وجهة نظري، يجب على أوباما بذل مزيد من الجهد لتغيير مفهوم «إن ذلك أفضل ما يمكن أن نطمح إليه». وهناك مؤشرات تفيد إلى أنه قد تعلم درسه بالفعل، منها أن الضريبة الجديدة التي اقترحها لفرض قيود على المؤسسات المالية الكبرى لم تكن إجراء اقتصاديا جيدا فقط، بل كانت سياسة حكيمة كذلك.

ومن الأسباب الرئيسية الأخرى وراء فجوة الحماسة هو أن الجمهوريين يكسبون معارك كثيرة للغاية في حرب «الرسائل»، فقد قاموا على سبيل المثال بتحويل رسالة «رعاية صحية بأسعار معقولة للجميع» إلى «سيطرة كبيرة للحكومة»، حيث أصبح خصوم الإدارة هم من يحددون مفاهيم القضايا في أذهان الناخبين. وهو الشيء الذي لم يكن ليسمح به أبدا المتحدث العظيم (وهو اللقب الذي أطلقته وسائل الإعلام على ريغان).

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»