ميثاق من أجل الصومال

TT

لا يملك المجتمع الدولي بعد الآن تجاهل الصومال. فالدول التي تعاني من صراع داخلي طويل تميل إلى التحول إلى ملاذات آمنة للمتطرفين. في جميع أنحاء الصومال لا يزال انعدام الأمن منتشرا على نطاق واسع. كما أن الاشتباكات في مقديشو لا تزال تحد من قدرة المجتمع الدولي على التنفيذ الكامل للبرامج الإنسانية الضرورية.

نشاهد اليوم محورا محتملا من الأزمات يربط ما بين منطقة القرن الأفريقي مع الوضع في اليمن، وقد يمتد أيضا إلى أفغانستان. ومع تزايد العمل العسكري في أفغانستان تشير تقارير إلى انتقال عدد متزايد من الإرهابيين إلى الصومال واليمن. كذلك يعتقد أن المجموعات المتطرفة في الصومال قد أنشأت صلات وثيقة مع مجموعات أخرى في اليمن، حيث يعيش نحو مليون صومالي حاليا. بالإضافة إلى ذلك، فإن حوادث القرصنة في خليج عدن تزيد من تغذية عدم الاستقرار في المنطقة. محصلة ذلك بمنتهى البساطة: كلما طال انتظارنا، شهدنا مزيدا من التفاعل بين الأوضاع في اليمن والصومال. لذا كان يجب أن يكون الوضع في الصومال وتداعياته على قائمة جدول أعمال مؤتمر لندن المنعقد يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي.

بعد 20 عاما من الحرب الأهلية، أصبح الصومال مسرحا لاشتباك بين المتطرفين وأمراء الحرب، وبين قوى إعادة البناء العاملة تحت إمرة الحكومة الاتحادية الانتقالية الشرعية برئاسة الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد.

إن تعزيز الحكومة الانتقالية ومنع الإرهاب من أن تكون له اليد العليا ليسا في مصلحة أغلبية الشعب الصومالي فحسب، بل يمثلان مصلحة مشتركة لبلدان المنطقة وللمجتمع الدولي مجتمعين. ويبقى دعم الحكومة الاتحادية الانتقالية هو خيارنا الحيوي الوحيد. نحن جميعا نشجع الحكومة الانتقالية على الالتزام بتعهدها بالحوار واستمرار التواصل من أجل تحقيق المصالحة الوطنية وضمان السلام الدائم. ولكن إن كان للمصالحة أن تنجح، فيجب أن تكون شاملة وعلى قاعدة اتفاق جيبوتي. وعلاوة على ذلك، فإن إعادة التواجد الدولي إلى مقديشو سيكون أيضا بمثابة خطوة ذات مدلول مهم تجاه التزامنا المشترك نحو تعزيز الشرعية في البلاد. ففي الوقت الراهن لدى جامعة الدول العربية مكتب في مقديشو، إلى جانب عدد قليل جدا من البعثات أو السفارات العربية والأفريقية. كما قررت حكومة جيبوتي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إعادة فتح سفارتها في العاصمة مقديشو، بعد أن ظلت مغلقة منذ عام 1991.

على مدى السنوات القليلة الماضية لم يبد المجتمع الدولي تخاذلا عن التزامه نحو الصومال، ولكن فيما عدا استثناءات قليلة، ظل هذا الالتزام متقطعا وغير كاف، فصار بالتالي غير فعال، علما بأن ما تم صرفه بالفعل من مبلغ المساعدات التي تم التعهد بها في مؤتمر بروكسل في مايو (أيار) عام 2009 هو أقل بكثير من النصف. وصارت هناك حاجة ملحة لتحقيق قفزة نوعية في العمل الدولي. ويمكن، بل ويجب على أوروبا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، أن تأخذ زمام المبادرة لتركيز الاهتمام الدولي على الصومال وتعبئة الموارد اللازمة لتعزيز الاستقرار في البلاد، لقد حان الوقت للعمل المتعدد الأطراف أن يركز على حل الأزمة في الصومال بدلا من مجرد إدارتها. فما نحتاج إليه هو عمل مشترك ومتكامل بين المنظمات الإقليمية والدولية المختلفة المعنية بالصومال: الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيجاد، والاتحاد الأوروبي، وبرنامج الأغذية العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وذلك تحت قيادة الأمم المتحدة.

كيف نمضي إذن في سبيل ذلك؟ يكون ذلك من خلال طريقتين.

على المدى القريب، ينبغي أن تكون أولويتنا هي الأمن والمساعدة الإنسانية. نحن بحاجة لتعزيز قوات الأمن الصومالية، ودعم بعثة الاتحاد الأفريقي، وتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الصومالي. فالأمن والمساعدة الإنسانية مسألتان مترابطتان، إذ إنه لأمر شديد الصعوبة على الوكالات الدولية تقديم المساعدة المطلوبة دون ضمان الحد الأدنى من الأمن، وهو ما تكشّف مع قرار برنامج الأغذية العالمي – الذي نأمل أن يكون مؤقتا – بتعليق أنشطته في جنوب البلاد. ولقد قامت إيطاليا بتقديم التعهد الذي سبق أن أعلنته في مؤتمر بروكسل وقدره 4 ملايين يورو، وهي حاليا بصدد تقديم مبلغ إضافي قدره 4 ملايين يورو أخرى لصالح قوات الأمن الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وذلك من خلال المبادرة الإيطالية الأفريقية للسلام. كذلك أسهمت جامعة الدول العربية أخيرا بمليون دولار إضافي دُفعت بشكل مباشر إلى الحكومة الصومالية الانتقالية. علاوة على ذلك، تدرس إيطاليا تنظيم دورات تدريبية مكثفة في كينيا لفائدة قوات الشرطة الصومالية. ونحن نتوقع أن بلدانا أخرى ستحذو الحذو ذاته قريبا. فالوقت هو جوهر المسألة.

على المدى المتوسط، نحن بحاجة إلى صياغة استراتيجية شاملة بمعالم واضحة وجدول زمني من أجل تحقيق الاستقرار في الصومال. ويمكن إطلاق «ميثاق الصومال» في مؤتمر دولي يعقد هذا العام. كما ينبغي أن يجري إعداد هذا المؤتمر بشكل دقيق للغاية، بمشاركة بلدان المنطقة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والإيجاد، وأن يكون بمثابة إشارة قوية من المجتمع الدولي لدعم الحكومة الصومالية. من جانبها، سيتعين على الحكومة الصومالية الالتزام بدفع جهودها لتعزيز المصالحة الوطنية، سواء من أجل توسيع قاعدة الدعم الخاصة بها، أو لتعزيز وتطوير الشفافية الكاملة والمساءلة والأداء السليم لمؤسساتها. كما يجب أن تدفع المشاركة المحلية والإقليمية هذا الميثاق الجديد. إن تحقيق الاستقرار والأمن سيتوقف في نهاية المطاف على النشاط الذي تبذله الحكومة الاتحادية الانتقالية، ولكن هناك كثير من الأمور على المحك وينبغي للمجتمع الدولي أن يقوم بها كي يسمح بصيرورة العمل. إن هذه التطورات لن تتم من تلقاء نفسها. وعلينا أن نتحرك الآن!

* الأمين العام لجامعة الدول العربية

* وزير خارجية إيطاليا