سد مأرب يتصدع

TT

تصدعات خطيرة أصابت سد مأرب اليمني، الصدع الحوثي والصدع القاعدي والصدع الجنوبي وصدع الفقر وصدع المخدرات وصدع انتشار الأسلحة الثقيلة والخفيفة وصدع الفساد، حاول مؤتمر لندن الأخير أن يقدم حلولا لرأب صدوعها وخرق رقعتها، لكن يبدو أن الشق اليمني اتسع على الراقع الغربي، والكل يدرك أن الغرب بقيادته الأميركية ما كان ليتحرك نحو اليمن لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه لولا أن جرثومة «القاعدة» وجدت موطئ قدم لها في البكتيريا اليمنية التي تكونت من كل هذه التصدعات.

لقد وجدت «القاعدة» في اليمن بيئة جغرافية وسياسية واجتماعية وطبوغرافية فيها كل العناصر التي يريدها منظرو «القاعدة» لتنفيذ سياساتها وترويج آيديولوجياتها، وليكون اليمن بموقعه الاستراتيجي منطلقا لهجماتها. «القاعدة» في اليمن أضحت قريبة جدا من أهدافها، وفي أكثر مواقع العالم سخونة، فبعد أن كانت في الأطراف في أفغانستان والصومال، وبعد فشلها في العراق لأسباب منها طبيعته الجغرافية، وجدت في اليمن طبيعة تشبه أفغانستان في تعقيداتها القبلية والجغرافية، وفئة حانقة من الشعب على القيادة السياسية، وفسادا ينخر حتى ترك النخر ثغرات يدخل منها الجمل، ولهذا يقول تقرير صدر من معهد الشرق الأوسط في موسكو إن «القاعدة» والمتشددين من أتباعها أو من يحومون حول فلكها بانتظار انهيار الحكومة اجتماعيا واقتصاديا لينقضوا يوم تكثر السكاكين بعد وقوع الجمل، ولهذا فهم الآن يقومون بتوسيع دعم القبائل لهم، وتجنيد المزيد إلى صفوفهم للانتقال إلى المرحلة الحاسمة في الوقت المناسب.

والتعقيد الآخر الذي يواجه اليمن، ولم يكن يملك مؤتمر لندن الأخير إصلاحه ولو اجتمع معه كل أعضاء الأمم المتحدة بخبرائها ومستشاريها، هو ضعف الانتماء الوطني خاصة عند شريحة الشباب الذين يشكلون عامل الحسم لتماسك الوطن أو انهياره، وأما الشريحة المثقفة وهي المؤثرة في الرأي العام اليمني فقد دخلت في دوامة المزايدات الآنية والمكاسب السياسية، بدا ذلك جليا في تعاطي هذه النخب مع فتنة الحوثيين مع أنها خطر خارجي ومخلب إيراني حاد ربما يعصف لا سمح الله بمستقبل البلاد السياسي والوحدوي، ولهيب ناره لن تسلم منه دول المنطقة كلها، ومع ذلك كان تعامل هذه الشريحة مع هذه الفتنة في الأغلب باهتا ضبابيا، تتحمل القيادة السياسية كثيرا من أسبابه وتبعاته.

يجب أن تدرك الدول العربية التي يهمها استقرار اليمن أن المساعدات المالية التي تتسلمها القيادات السياسية أو حتى القبلية ليس لها تأثير يذكر في واقع الشعب اليمني الذي أوجعته مطارق الفقر وجروح العوز الغائرة، وأنه قد آن الأوان خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيه الحكومة اليمينية خطر بقائها أن تدرك أنه من صالحها قبل صالح شعبها أن يتوجه الدعم العربي والدولي مباشرة للمشاريع التنموية التي يستفيد منها الشعب اليمني، خاصة مجالات الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل.

كما آن الأوان لمجلس التعاون الخليجي أن يدرك أن تكبيل اليمن بتداعيات تأييد غزو العراق للكويت ليس ضربة لازب، ولا يجوز أن يكون أبديا، بل الواقع والمستجدات على الساحة اليمنية تفرض على كل دول مجلس التعاون أن تدمج اليمن في المجلس وفق استراتيجية متكاملة لاستيعابه، ولقطع الطريق على الأطماع الإيرانية وتوسعاتها الآيديولوجية، فالعمالة اليمنية مثلا توفر بديلا جيدا عن العمالة الوافدة من أقاصي شرق آسيا، ومن اليسير على دول مجلس التعاون أن تستفيد في هذا الشأن من التجربة الأوروبية في استيعاب غربها الغني لشرقها الفقير المتحرر حديثا من القيد الشيوعي.