فيس بوك

TT

تسعة وثلاثون مليونا من البشر في جميع أنحاء العالم فتحوا خزائن عقولهم وقلوبهم للراغبين: «الدعوة عامة والدنيا لمة» لأن زمن الخصوصية انتهى حسب مقولة مارك زوكربرج مؤسس «فيس بوك». مارك أميركي يهودي في الخامسة والعشرين جنى من وراء المشروع ملايين الدولارات.

قلت لنفسي: شاب شاطر وحلال عليه. ناجح ومليونير. وشباب العالم مبسوط وأصبح المتعارف عليه أن تكون مشتركا في «فيس بوك» وإلا تخلفت عن ركب الثقافة الشبابية, إلا في الصين. فقد رفضت الصين أن تباع المعلومات عن شبابها للمنتفعين بالمجان. وعليه أسست موقعا محليا شبيها, باللغة الصينية, لخدمة شباب الصين، فإذا بعدد المشتركين من داخل الصين يرتفع إلى 42 مليون مشترك. سمه الحرص أو الاكتفاء أو الذكاء. سمه ما شئت ولكن الصين أغلقت الباب في وجه «فيس بوك» و«غوغل» و«تويتر» و«بليبي» حفاظا على أسرارها.

الشباب يجد متعة وتسلية في التواصل ويعتبر «فيس بوك» محطة في رحلة البحث عن صوت وهوية وجواز سفر إلى حرية الانتماء لثقافة شبابية تبيح تبادل الصور والأفكار والمعلومات. المشترك يظن أن الموقع يكفل له حرية حجب المعلومات والصور لأنه لا يقرأ الوثيقة المكونة من ثماني صفحات عن سياسة الشركة بخصوص جمع المعلومات واحتمال حصول أطراف أخرى عليها. وقد خفض «فيس بوك» مؤخرا سقف الخصوصية بحيث أصبح الاطلاع على بيانات المشترك ممكنا لمن يطلب.

حاليا قد يذهب الباحث عن وظيفة لاختبار كشف الهيئة وبيده نسخة من سيرته الذاتية التي تحمل اسمه وسنه وعنوانه ومؤهلاته، ويفاجئه صاحب العمل بأنه اطلع على بياناته على «فيس بوك» وحصل على ما يريد: اللغة التي يوظفها للتعبير عن نفسه, أصدقائه وما يتبادل معهم من آراء, طموحه وهواياته, قراءاته, أفراد أسرته, خانته الاجتماعية, أفراحه وأتراحه.

قرأت أن أميركيا من ولاية تكساس أفضى لأصدقاء موقع شبيه بـ«فيس بوك» بأنه ذهب إلى السوق واشترى حقيبة سفر سعرها 400 دولار لأنه مسافر إلى جزر البهاما، ثم عرج على النادي الصحي حيث دفع رسم دخول اعتبره عاليا, ثم قرر أن يتناول الغداء في مطعم محلي ذكر اسمه، وقبل أن يعود إلى بيته زار بقالة متخصصة في بيع لحم البقر المملح تقع في نفس الشارع الذي يسكنه.

وسافر صاحبنا إلى البهاما وعاد ليكتشف أن اللصوص اقتحموا بيته أثناء غيابه وحملوا ما خف حمله وغلا ثمنه. فالمعلومات بشيء من الإصرار متاحة لمن يطلب، ويبدو أن لصوص هذه الأيام لم يتخلفوا عن ركب المدنية الإلكترونية. وإذا كانت عصابات اللصوص نشطت في البحث عن زبائن، فقد سبقتها شركات التسويق في تصنيف الناس إلى مجموعات تباع قوائم بأسمائهم وعناوينهم لشركات منتجة للبضائع والخدمات. وإلى هنا والمسألة تبدو عادية لأن الناس أحرار فيما يختارون. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يختص بأجهزة التجسس والمخابرات حول العالم، التي تعتز بها مؤسسات الدول كافة، كجزء من أدوات الحكم والحفاظ على الأمن القومي وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء.

قبل اتهامي بالمغالاة في الخوف أقول إن المعلومات التي يتبرع بها المشترك عن نفسه, وآرائه, ورسائله وهفواته ومغامراته لا تفنى بالتقادم. فهي تبقى في الفضاء وقد تلاحقه في المستقبل بعد أن يلفها النسيان ويسقطها من حساباته.

اشترك في «فيس بوك» ولكن احترس من المنتفعين.