السقوط الكبير القادم

TT

هل تعافى الاقتصاد العالمي؟! يتوقع المحللون حدوث نمو خلال العام الحالي تكون نسبته 2.4 في المائة، ولكنهم ينسون شيئا مهما، إذ يمكن أن تتعثر الصين في وقت قريب. وحال حدوث ذلك، فإن الدولة الأكبر من حيث عدد السكان ستجر معها باقي الدول إلى الأسفل.

خلال الوقت الحالي، يبدو أن وقوع أزمة صينية هو آخر شيء يجب أن نقلق بشأنه. فقد تجاوزت الصين خلال العام الماضي أميركا، لتصبح أكبر سوق للسيارات، وسبقت ألمانيا، لتصبح أكبر دولة مصدرة. وأعلنت بكين أخيرا أن نسبة النمو خلال الربع الأخير من عام 2009 بلغت 10.7 في المائة، فيما كان إجمالي نسبة النمو خلال العام ذاته 8.7 في المائة. ويقول بعض المحللين إن الأرقام كانت قوية لدرجة أن الدولة الصينية تجاوزت سريعا اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والواضح أن كل شيء ينمو سريعا داخل الصين.

وفي يوم من الأيام، كانت إمارة دبي تشهد نموا سريعا أيضا. ولذا، أُصيبت الاقتصاديات العالمية برجفة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) عندما نقلت الأخبار أن شركة «دبي العالمية»، وهي شركة استثمار حكومية داخل إمارة دبي وأكبر كيان مؤسسي دائن، طلبت تمديد أجل التزامات ديون قيمتها 59 مليار دولار. وقد كانت المشكلات داخل الإمارة واضحة للعيان في بعض الأحيان. ومع ذلك، واصل مستثمرو الأسهم عملهم بلا اكتراث، وحسبوا أنه لن يقع تعثر.

وواضح أنهم كانوا مخطئين في ذلك. وقد تجاوزت الأسواق العالمية، للوقت الحالي، الصدمة. ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن هذه إمارة صغيرة. ولكن، الصين ليست كذلك. ويقول جيمس تشانوز، الذي تنبأ بتعثر «إنرون» و«تيكو»، إن الصين «تفوق إمارة دبي بألف مرة، أو أسوأ من ذلك».

وكما حدث مع إمارة دبي في بداية العام الماضي، تصل الصين حاليا إلى قمة الفقاعة. وللوهلة الأولى، لا توجد أشياء كثيرة تربط بين هذه الإمارة الصغيرة وتلك الدولة الضخمة المهولة. ولكن، كلاهما يعاني من توسع مبالغ فيه. وقد أدى النموذج الاقتصادي الذي يعتمد على التصدير إلى تحقيق نمو كبير في الصين خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة التي سيطرت عليها، فيما يبدو، عولمة لا نهاية لها ونمو اقتصادي. ومع ذلك، فإن التجارة العالمية تعاني من الركود في الوقت الحالي بعد أن تراجعت بصورة كبيرة خلال العام الماضي. ونتيجة لمشكلات داخل دول أخرى، تراجعت الصادرات الصينية بنسبة 16.1 في المائة خلال 2009. ولا توجد سوى احتمالية ضئيلة لحدوث تعاف مستمر خلال العام الحالي.

وتجاهلت بكين نصائح قدمتها واشنطن وعواصم أخرى، ولم تسع خلال أوقات النمو الاقتصادي إلى إعادة هيكلة اقتصادها لتشجيع الاستهلاك. وبدلا من ذلك، سعت الحكومة الصينية إلى تحقيق أقصى فائدة من الطلب الأجنبي المتنامي حينها. ولذا، تراجع دور الاستهلاك من متوسط 60 في المائة من الاقتصاد إلى 30 في المائة خلال العام الماضي. وهذا أقل معدل داخل أي دولة.

ولتعويض التراجع في الطلب من الدول الأخرى والإنفاق الأقل من جانب المستهلكين في الداخل، أعلن مجلس الدولة الصيني، وهو المجلس الوزاري الحكومي المركزي، عن خطة تحفيز اقتصادي في نوفمبر 2008. وقالت بكين إنها سوف تنفق 586 مليار دولار خلال 2010. وخلال العام الأول من البرنامج قامت بتوزيع 1.1 تريليون دولار في صورة خطة تحفيز اقتصادي، سواء بصورة مباشرة أو من خلال البنوك الحكومية.

وتخلق الخطة، وهذا غير مفاجئ، ناتجا محليا إجماليا، ولكن يكون هذا النمو مصطنعا. ويرجع السبب إلى أن ما أنفقته بكين على التحفيز الاقتصادي خلال العام الماضي بلغ ربع إجمالي الاقتصاد. وفي الوقت الحالي، ربما يعود ما يبلغ نسبته 95 في المائة من النمو الاقتصادي داخل الصين إلى استثمارات حكومية، وهذا ما أشار إليه محلل صيني أخيرا.

وعلى الرغم من الإنفاق الحكومي الهائل، فإن اقتصاد البلاد غير قوي على نحو بارز. وتظهر إحصائيات القوة الاستهلاكية، وهي مؤشر مهم على النشاط الاقتصادي، أن التوسع الاقتصادي يبلغ ثلثي النسبة المعلنة فقط. وعلاوة على ذلك، فإن أسعار المستهلكين الثابتة خلال العام الماضي تكذب التقارير الرسمية حول مبيعات التجزئة المتسارعة. وكذا الحال مع تراجع الواردات خلال العام ذاته، الذي بلغت نسبته 11.2 في المائة، وهي إشارة أخرى على تراجع الطلب المحلي. والسؤال: لماذا تصر بكين على المضي قدما في خطة التحفيز الاقتصادي الخاصة بها لو كان الاقتصاد ينمو حقا بنسبة مكونة من رقمين؟

وعلى الرغم من النمو السريع للاقتصاد، فإننا نجد أن سياسات الصين غير مستدامة.

أولا: ستكون هناك ضغوط على الحكومة المركزية من أجل الحصول على أموال لاستكمال النفقات الضخمة. وسيرتفع العجز داخل الميزانيات بصورة متسارعة، ويمثل ذلك قيدا على عمليات الإنفاق الإضافية. والأكثر أهمية هو أن المنظمين داخل بكين يشعرون بالقلق من أن المصارف الحكومية، وهي المصدر الرئيس لأموال خطة التحفيز الاقتصادي، تضع التزامات كبيرة على نفسها وستتراكم لديها القروض السيئة.

ولكن، يعتقد توماس فريدمان، الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن هذه الأشياء لن تمثل مشكلة. ويقول إن الصين ليست مثل «إنرون»، وينصح تشانوز قائلا: «لا تستهن بدولة لديها تريليونا دولار في صورة احتياطي نقد أجنبي».

ومع ذلك، فإن الاحتياطي القياسي لدى بكين، والذي يبلغ حاليا 2.4 تريليون دولار، لا يستخدم بالأساس لهذا الغرض. والسبب هو أن القادة الصينيين في حاجة إلى عملة محلية، وهي الرنمينبي، من أجل التعامل مع الاحتياجات المحلية. وإذا قاموا بتحويل الاحتياطي الذي لديهم إلى رنمينبي، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة وإنهاء قطاع التصدير المهم. ويكون للاحتياطي الأجنبي استخدامات محدودة خلال الأزمات المحلية.

ثانيا: تأخذ خطة التحفز الاقتصادي الحكومية البلاد إلى الاتجاه الخاطئ، فهي تحابي المؤسسات التجارية الحكومية الكبرى وتفضلها على الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم. وتحول المؤسسات المالية الحكومة الائتمان إلى بنية تحتية ترعاها الدولة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، توسع اقتصاد الصين بمعدل سنوي متوسطه 9.9 في المائة بسبب القطاع الخاص، ولكن تقوم بكين في الوقت الحالي بإعادة تأميم الاقتصاد باستخدام أموال حكومية.

ثالثا: إغراق بكين الشركات الحكومية بأموال حكومية سيقوض من قدرتها التنافسية، مثلما ألحق تدفق أموال مشابه ضررا كبيرا بالمؤسسات اليابانية خلال أعوام الازدهار الاقتصادي. واكتشف مديرون يابانيون أنه يمكنهم جني المزيد من الأموال من خلال إدارة الأموال أفضل من أي شيء آخر، ولذا تجاهلوا أنشطتهم التجارية المتضمنة. ويحدث نفس الشيء داخل الصين، حيث ذهب خمس القروض المصرفية الحكومية إلى أسواق الأسهم المتصاعدة داخل البلاد. ويقوم جزء كبير آخر بتعزيز فقاعات سوق العقارات. وأسوأ من ذلك، شهدت كازينوهات ماكاو أخيرا إقبالا كبيرا، إذ تجذب الكوادر الصينية المقامرة الذين يتراهنون على أموال التحفيز الاقتصادي المحولة.

وفي النهاية، فإنه بمرور الوقت، سيصبح الإنفاق على التحفيز الاقتصادي ذا قدرة أقل على إحداث نمو. وتوجد في الصين مدينة جديدة غير آهلة بالسكان، وهي مدينة أوردوس في إننر مونغوليا، بالإضافة إلى الآلاف من المنشآت الشاغرة، ولا سيما المراكز التجارية. كما لم تعمل مصانع جديدة بكامل طاقاتها.

وبسبب المسالب المتعددة، نجد أن برنامج الإنفاق التابع لمجلس الدولة الصيني ليس هو الشيء الذي يخلق نموا في هذه اللحظة. ولسوء حظ الحكومة، فإن خطتها تؤدي أيضا إلى خلق حالات من عدم الاتزان والاضطراب، وسيكون من الصعب التعامل معها خلال العام الحالي.

في الماضي، كانت أمام المسؤولين الصينيين فرصة لإرجاء المشملات. ومع ذلك، فقد تنامت التحديات التي يواجهونها بمرور الوقت، بينما كانوا يسعون لتطبيق سياسات تهدف لتحقيق النمو بدلا من إجراء تغير هيكلي. وهذا ما سيجعل الصين شبيهة لإمارة دبي عندما يخبو بريق سياسات النمو الاقتصادي الخاصة بها، وهو ما سيحدث قريبا. ستكون الصين مثل إمارة دبي، ولكنها أكبر كثيرا.

*مؤلف كتاب «انهيار الصين المقبل» (2001) وكتاب «مواجهة نووية: كوريا الشمالية تحارب العالم» (2006)

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»