السلاح مقابل المال

TT

تبنى مؤتمر لندن الذي عُقد من أجل أفغانستان نهجا جديدا أكثر واقعية في معالجة الأزمة، التي يبدو أنه لا نهاية لها، في هذا البلد الذي دخل من أزمة إلى أخرى بدون توقف، من الحرب التي دارت بالوكالة على أرضه في زمن الحرب الباردة وخروج قوات الاتحاد السوفياتي السابق، وبدلا من أن تستفيد أفغانستان من فترة الوفاق الدولي كانت وبالا عليها مع زحف ميلشيا الطلبة (طالبان) ثم مسلسل الأحداث المعروفة، هجمات سبتمبر (أيلول) ووجود «القاعدة» هناك إلى الحرب الأخيرة التي لم تتوقف حتى اليوم.

النهج الجديد كما يبدو هو المال مقابل السلاح من أجل شق العناصر القبلية التي تحارب مع طالبان، أو توفر مأوى لها، لكنها ليست ملتزمة بأيديولوجيتها المتطرفة، وذلك من خلال صندوق أعلن أن حجمه سيصل إلى 500 مليون دولار، وتمت الموافقة على تعهدات له حتى الآن بمبلغ 140 مليون دولار.

وسط ذلك كانت هناك إشارات إلى اتصالات جرت بين الأمم المتحدة وعناصر من حركة طالبان، صحيح أن قيادة الحركة نفتها، لكن هذا لا ينفي أن اتصالات قد تكون قد جرت مع عناصر أخرى غير القيادة.

وكما يبدو فإن خلاصة التحركات والتوجهات السياسية الجديدة هي الوصول إلى قناعة بأن الحل العسكري، وحده، لن يستطيع الوصول إلى هدف تحقيق الاستقرار في أفغانستان، وتحقيق وجود حكومة مسيطرة على جميع أنحاء البلاد، تمنع اتخاذ مناطق منها مأوى لجماعات متطرفة تنظم قواها هناك لتشن منها هجمات كما حدث في 11 سبتمبر 2001.

وهي سياسة تعني العودة إلى الواقعية، فقد تبدو فكرة المال مقابل التخلي عن السلاح أشبه بالرشوة أو الخضوع للابتزاز، لكن في بلد يعاني فقرا شديدا، ومشاعر غضب من جانب قبائل البشتون التي تشكل نسبة أكثر من 40% من السكان، وهي عماد حركة طالبان، قد لا تكون طريقة أخرى لإعادة دمج هذه العناصر المستعدة للتخلي عن السلاح في الدولة والمجتمع من جديد.

وقد تكون هذه التجربة لو أثبتت نجاحا قابلة للتطبيق في دول تمر بحالة مشابهة، ويشعر المجتمع الدولي بخطر عدم استقراها على أمنه مثل الصومال، فالقضية واحدة في أفغانستان والصومال، أو دول أخرى مشابهة، وهي فقر وبطالة وسوء خدمات، كل أولئك تستغله جماعات متطرفة عادة ما تجد المال بوسيلة أو أخرى، وتجند شبابا لا أمل لهم في المستقبل لحمل السلاح في أعمال عنف وحروب أهلية، في حين أن هؤلاء إذا وجدوا وظائف وتعليما وخدمات فسيُقطع الأوكسجين عن هذه المنظمات والأيدولوجيات.

وفي حالة أفغانستان، من المؤكد أنه لو تم إنفاق كل هذه الأموال الطائلة التي توظف في الجيوش والأعمال العسكرية في مشاريع خدمات واستثمار، فإن الدولة هناك لا بد أن تشهد استقرارا وتقدما، لكن المعضلة هي أنه لا يمكن أن يوجد استثمار ومشروعات بدون أن يوجد أمن وسيطرة حكومية على سيادة البلاد، وهي مسألة تشبه السؤال: أيهما يسبق الآخر البيضة أم الدجاجة؟

والإجابة في حالة أفغانستان هي أن الاثنين يجب أن يسيرا معا: الأمن والاستثمار.. فعلى المدى الطويل فإن الحل الجذري للمشاكل هناك هو في وجود حكومة فاعلة، ومجتمع يشعر أفراده أن لديه مستقبلا ووظائف وفرصا، وعلى المدى القصير فإن تحقيق الأمن يظل أولوية مع تعظيم مسؤولية الحكومة المحلية وتقوية الثقة فيها بعلاج أي اختلالات، فهي الأقدر على تفهم شعبها والحوار مع الجماعات المتمردة منه.