حملة إسرائيلية عنيفة ضد الأردن عنوانها «هيومان رايتس ووتش»!

TT

معظم ما تضمنه الحديث الذي أدلى به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لشبكة «سي إن إن» الأميركية على هامش اجتماع «منتدى دافوس» الأخير، الذي من المقرر أن تبثه كاملا يوم الأحد المقبل، جاء ردا على هجمة سياسية مكثفة استهدفت الأردن في الأسابيع الأخيرة تضافرت خلالها الألاعيب الإسرائيلية المعتادة مع جهل بعض أوساط القوى السياسية الأردنية ومع بعض أصحاب الأجندات الخارجية من عرب وأردنيين، وكل هذا مع بعض المنظمات الدولية التي تتخذ الدفاع عن حقوق الإنسان غطاء لوظائفها السياسية التي لو جرى التدقيق فيها جيدا لتمّ التأكد من أنها لا تخدم إلا أهداف اليمين الإسرائيلي المتطرف.

منذ وقوف الملك عبد الله الثاني تلك الوقفة الواعية في قاعة الكونغرس الأميركي في الـ«كابيتول هيل» وتحدث مع صناع السياسة الأميركية عن قضية الشرق الأوسط وعن الفلسطينيين وحقوقهم وعن أن حل القضية الفلسطينية الحل العادل كفيل بانتزاع الكثير من الحجج والذرائع من أيدي الإرهابيين ومنظماتهم باللغة التي يفهمونها، والأردن يتعرض لموجات متلاحقة منظمة، إسرائيلية بالأساس، لتشويه صورته وإظهاره على غير حقيقته وعلى أنه بواقعه الداخلي كإحدى جمهوريات الموز في زمن وعهود الانقلابات العسكرية.

آخر ما قيل في هذا الصدد جاء على لسان رئيس الكنيست الإسرائيلي ريئوفين ريفلين الذي كرر ما كان قاله كثيرون من عتاة اليمين الإسرائيلي من أن الأردن هو الدولة الفلسطينية، والملاحظ أن هذا توافق مع ارتفاع الصوت الأردني المطالب بضرورة أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطا حقيقية على الحكومة الإسرائيلية لإلزامها بالانصياع لاستحقاقات السلام، وترافق مع تردي العلاقات بين الدولة الأردنية كدولة وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يجرِ أي لقاء بينه وبين العاهل الأردني منذ عودته إلى سدة الحكم في إسرائيل إلا ذلك اللقاء العابر الذي جاء مصادفة ولم يستغرق إلا نحو عشر دقائق في أحد ممرات مبنى الأمم المتحدة في الاجتماع الأخير للجمعية العمومية.

وهنا فإن ما يدعو إلى الأسف بالفعل أن هذه الحملة الإسرائيلية المتواصلة والمتعاظمة قد وجدت صدى لها في أوساط بعض الأحزاب والقوى الأردنية ذات «الأجندات» الخارجية، وعلى شاشات بعض الفضائيات «المعروفة» التي تخصصت لدوافع لم تعد خافية على أحد في استهداف الأردن واستهداف بعض الدول العربية التي لها مواقف الأردن نفسها بالنسبة للكثير من قضايا هذه المنطقة وأولها وأهمها القضية الفلسطينية. في كل عرس كان لهذه الأحزاب قرص؛ فمرة تتهم هذه الأحزاب والقوى ذات الأجندات الخارجية، وهي وهمية على أي حال باستثناء حزب الإخوان المسلمين ونسخته الكربونية حزب جبهة العمل الإسلامي، الأردن بأنه يسعى للعودة إلى واقع ما قبل الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 بالنسبة لعلاقاته مع الضفة الغربية، ومرة يتهمه بأنه يفكر جديا في إرسال وحدات من جيشه لإسناد السلطة الوطنية في المواجهة بينها وبين حركة حماس، ثم، وبين هذا وذاك، فإن الحديث لم ينقطع عن تراجع الحريات العامة في المملكة الأردنية، واللافت أن الخارجية الأميركية قد بادرت للإدلاء بدلوها في هذا المجال وأكثر من مرة من خلال تقاريرها المتلاحقة التي تدس السم في الدسم وتعمد إلى التحامل أكثر من اللزوم على الدول العربية التي تعتبر صديقة للولايات المتحدة وتغمض عيونها عن الجرائم والموبقات الإنسانية التي ترتكب في دول أخرى لا تزال تعيش ما كان سائدا زمن الانقلابات العسكرية.

حتى عندما استشهد الضابط الأردني في حادثة خوست المعروفة التي وقعت في الشهر الماضي في أفغانستان، فإن هذه القوى والأحزاب ذات الأجندات الخارجية ومعها فضائية «الرأي والرأي الآخر»، التي تشعل كل أضواء إشارات اليسار والمقاومة والوطنية وهي تنعطف باستمرار نحو اليمين وغارقة حتى آذانها في كل ما هو معاد لوحدة العرب وتضامنهم، قد وجدتها فرصة لرفع وتيرة حملة استهداف الأردن واتهامه بأنه بيدق على رقعة الشطرنج الأميركية إلى جانب القوات الأميركية المنتشرة على هذه الرقعة، هذا مع أن المملكة الأردنية الهاشمية كانت قد أعلنت أنها جزء من الحرب على الإرهاب وأنها بعد تعرضها لمجزرة فنادق عمان الشهيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005 اضطرت اضطرارا لنقل عملياتها ضد التنظيمات والمنظمات الإرهابية من الداخل إلى العراق وإلى الحدود الأفغانية الباكستانية وإلى كل مكان يتواجد فيه الإرهابيون.

في هذه المقابلة المشار إليها التي أجراها الإعلامي المعروف فريد زكريا والتي من المفترض أن تبثها شبكة «سي إن إن» يوم الأحد المقبل، أي بعد يومين، حسم الملك عبد الله الثاني الكثير من الأمور التي بقيت تثار دائما في وجه الأردن وتوظف توظيفا تعسفيا لتشويه صورته ولتلصق به ما لا علاقة له بحقيقة سياساته ومواقفه. وهو، أي العاهل الأردني، قد جدد ما كان قاله أكثر من ألف مرة؛ وهو أن المملكة الأردنية الهاشمية ستبقى سندا للأشقاء الفلسطينيين في نضالهم من أجل إقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

وفي رد صريح على نعيق غربان الشؤم من أصحاب الأجندات الخارجية، قال عبد الله الثاني إن الأردن لن يقبل بأن يحل الجيش الأردني محل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأكد على رفضه لأي حديث عما يسمى الخيار الأردني، وشدد على الحاجة إلى دور أميركي فاعل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتوقفة، وأشار إلى أن مصداقية الولايات المتحدة غدت على المحك: «إن قضية فلسطين هي أساس الصراع في هذه المنطقة، وإن حلها على أساس دولة للفلسطينيين إلى جانب الدولة الإسرائيلية هو السبيل الوحيد للسلام في المنطقة».

وأكد الملك عبد الله الثاني في هذا الحديث الذي ووجه بردود فعل مختلفة ومتفاوتة، على أنه لم يتحدث إطلاقا عن هلال شيعي، وأشار إلى أن ما قاله هو أنه كان قلقا من بعض الأوساط في الحكومة الإيرانية التي تسعى لخلق انطباع بوجود مثل هذا الهلال الشيعي: «إن ما لا نريده هو إيجاد صراع بين السنة والشيعة، وإن ما حذرت منه هو تلك الاستراتيجيات السياسية التي كانت ستؤدي في النهاية إلى فتنة سنية شيعية».

وعن الإرهاب، قال إن العالم العربي والإسلامي يواجه مجموعة إرهابية تحاول تشويه الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف وقيمه السمحة، وفي هذا المجال قال ردا على سؤال يتعلق بحادثة خوست: «إذا أحسسنا أن هناك من يحاول مهاجمة الأردن فإننا سنهاجمه». وبالنسبة لبعض القضايا المثارة على الصعيد الداخلي، أجاب عن سؤال بهذا الخصوص بالقول: «إننا ماضون بمسيرتنا الإصلاحية التحديثية.. إنها شراكة بيني وبين الشعب الأردني بهدف المضي قدما بالديمقراطية، وإنني على ثقة بقدرة الأردنيين على تحقيق ذلك».

وفي نهاية هذا الحديث الذي قطع الشك باليقين والذي من المفترض أنه نزع كل المبررات من أيدي أصحاب الأجندات الخارجية، لفت الملك عبد الله الثاني النظر إلى أن الانتخابات القادمة سوف تجري في موعدها في الربع الأخير من هذا العام، وأن مشروع «اللامركزية» سوف ينجز ويتحقق. وحول كيفية تمكن الأردن من تحقيق إنجازات اقتصادية لافتة على مدى السنة الماضية على الرغم من شحِّ موارده، قال: «المهم هو أن لا نقبل (لا) كجواب».

واللافت أن منظمة «هيومان رايتس ووتش»، ومعها ما يسمى منظمة «فريدوم هاوس»، ما أن وصل إليهما ما تسرب من حديث العاهل الأردني إلى شبكة «سي إن إن» الأميركية حتى استأنفتا حملة استهدافهما للأردن تحت لافتة الدفاع عن حقوق الإنسان، ولعل ما كان مجال تندر واستغراب هو أن هذه المنظمة التي من المفترض أنها غير سياسية قد حشرت أنفها حشرا في الشؤون الداخلية الأردنية وتقصدت الاعتداء على سيادة دولة مستقلة عندما طالبت الحكومة الأردنية بتوضيح معنى فك الارتباط بين الضفة الشرقية والضفة الغربية وفقا للقرار الأردني الذي صدر في عام 1988 وعندما طالبت أيضا بتشكيل لجنة وتكليفها بإجراء مراجعة مستقلة لجميع حالات سحب الجنسية وفقا لقرار فك الارتباط هذا المشار إليه، وهذا يؤكد أن هذه المنظمة أصبحت جزءا من آلة اليمين الإسرائيلي الذي يحاول قطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بإثارة زوبعة حول حقوق ذوي الأصول الفلسطينية المهدورة في المملكة الأردنية الهاشمية، وكل هذا مع أن الحقيقة أنه لم يجر سحب ولا جواز سفر واحد، وأن كل ما جرى، وكل ما هو جار، هو مجرد «تصويب» لأوضاع الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية من أجل إلزام الإسرائيليين إلزاما بعودتهم إلى وطنهم الذي لا وطن لهم غيره.