عندما يجتمع الاقتصاد مع السياسة

TT

من المفاجآت القليلة السارة في عام 2009، قدرة الاقتصادات الأكبر في العالم على التركيز على معالجة نفسها من دون حروب كبرى أو اضطرابات جيوسياسية أو سياسية تهز العالم. ولكن، ما احتمالات أن يكون عام 2010 لطيفا على هذا النحو؟

أقول: هناك احتمالية ضعيفة لأن يحدث ذلك. لا شك أن الاقتصادات الكبرى في العالم تحتاج بشدة إلى أن يكون 2010 عاما هادئا أيضا على الصعيد السياسي والجيوسياسي، ولكن سيتطلب ذلك، على الأقل، إنهاء صراعات ثلاثة كبرى بتسويات تضمن لكافة الأطراف فيها مكاسب بدلا من أن يفوز طرف على حساب آخر. وهذه الصراعات الثلاثة هي: المصارف في مواجهة الرئيس أوباما؛ والصين في مواجهة غوغل وأصدقائها؛ والعالم في مواجهة إيران.

هيا بنا نلقي نظرة على هذه الصراعات. تشبه المصارف القلب الذي يضخ الدماء – الائتمان - في عضلات المؤسسات داخل بلادنا. وإذا عانى هذا القلب من قصور ما، فإن أي عملية للتعافي ستكون ضعيفة. وتعد جراحة القلب شيئا معقدا للغاية، ولا يقبل أحد أن يجري سباك أو سياسي له جراحة قلب. وعلى أية حال، قبل عام كان هناك صخب كبير حول تأميم بعض المصارف الكبرى، ولم تكن هذه فكرة صائبة. وعلاوة على ذلك، نتجت أزمتنا المالية عن تفسخ كبير في الأخلاق، بدءا من المقترضين مرورا بالمقرضين ووصولا إلى مؤسسات التقييم والمشرعين. ولا تحسب للحظة أن الإصلاح المصرفي وحده سيمثل علاجا لجميع الأسقام.

نحن في حاجة إلى نظام مصرفي جديد يقلل من التهور من دون إضعاف القدرة على مواجهة المخاطر، وهو ما يمثل عنصرا مهما في النظام الرأسمالي. ويعد ذلك أمرا معقدا. ولو كانت المصارف الكبرى تتسم بالذكاء، لأخذت المبادرة وعرضت أفكارا جديدة من بنات أفكارها. وقطعا، لا يمكنها القول بأن كل شيء على ما يرام على ضوء عدد الإخفاقات المصرفية. ولندع الإدارة والمصارف المركزية البارزة الأخرى تقدم أفكارها، وبعد ذلك نجرب شيئا ذكيا.

ولكن، شهد المواطنون مصرفيين جهلة يعطون أنفسهم مكافآت بعد إنقاذهم باستخدام أموال دافعي الضرائب، مع إعطاء تعليمات لعناصر الضغط والمشرعين لمعارضة أية إصلاحات جادة. وفي الوقت نفسه، نجد الرئيس أوباما يقدم مقترحه المصرفي، بعد فشل حزبه في ماساتشوستس، بطريقة بدت أقل اهتماما بالترويج لمناقشة ذكية وأشبه بمحاولة لاستخدام تقريع البنوك من أجل رفع شعبيته المتراجعة. ولم تقم الإدارة بإخطار المصارف المركزية الأخرى بخصوص أفكارها قبل عرضها. وقال لي مسؤول بارز في الخزانة البريطانية في دافوس: «حتى أميركا ليست كبيرة بالصورة التي تتيح لها حل مشاكلها.. هذه مشكلة عالمية.. ولكن تأكد من أنك تستوعب المشكلة قبل أن تعالجها».

ويجب إجراء الإصلاح المصرفي بحرص حتى ينتهي الأمر بوجود مصارف أقوى تقدم المزيد من القروض. وإذا كان المصرفيون يريدون العناد وتحول الأمر إلى حرب مع الرئيس أو إذا كان الرئيس يريد استخدام تقريع المصارف لاستعادة شعبيته، فيمكن أن أضمن حدوث بعض الأمور: مزيد من الضبابية وإقراض أقل وتعافٍ أبطأ وعدد أقل من الوظائف الجديدة.

وعلى الرغم من أن الصراع بين الصين وغوغل يبدو، في ظاهره، مرتبطا بحرية الإنترنت، لكن وراء ذلك مشكلة أكبر. وكما نشرت هذه الصحيفة الأسبوع الماضي، تعرضت 34 مؤسسة أميركية أخيرا لعمليات قرصنة تبين من تتبعها أنها جاءت من الصين. وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات التقنية التي تعرضت للقرصنة، طالبا عدم ذكر اسمه لأنه لا يزال يدرس نشاطه داخل الصين، إنه في حالته تضمنت الهجمات محاولات لمسح شفرات المصدر وتصميمات وخطط تجارية وأي شيء يتمكنوا منه. وقال لي الرئيس التنفيذي إن عملية التجسس هذه انبثقت من الصين، و«كانت أسوأ عملية نواجهها على مدار 25 عاما». وعلى حد تعبير مسؤول أميركي: «كانت عملية الاختراق موسعة وتسببت في مشاكل كبيرة».

رسالة إلى الصين: أنتم تلعبون بالنار. بالطبع، لدى الولايات المتحدة قراصنة، ولكن لا تأتي عملية تجسس على هذا النطاق من الولايات المتحدة. وإذا استمر ذلك، سوف ترى الصين ما هو أكثر من سحب غوغل لبعض الحصص. وكم عدد الشركات الأميركية في المستقبل التي سترغب في شراء برمجيات ونظم كومبيوتر مصنوعة في الصين ويمكن أن تسهل على بكين اختراق أنشطتهم التجارية؟ قصة القرصنة هذه كبيرة، وإذا ما انفجرت في وقت تتزايد فيه التوترات بسبب مبيعات أسلحة أميركية لتايوان، فيجب عليكم أن تربطوا أحزمتكم.

وأخيرا، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها على وشك تكثيف الضغوط على إيران من خلال الكشف عن قرار جديد بفرض الأمم المتحدة لعقوبات اقتصادية تستهدف الحرس الثوري الإيراني وشبكة المؤسسات المالية الواسعة التي تهيمن داخل إيران. وإذا لم تتخذ الأمم المتحدة إجراء، تعتزم الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض العقوبات بأنفسهم. حيث أصبح الحرس الثوري هو أداة النظام الرئيسية لقمع الانتفاضة الشعبية في إيران وحماية برنامج إيران النووي. وإذا لم تفلح تلك العقوبات في إجبار إيران على وقف برنامج التسلح النووي المشتبه فيه، فسوف تتزايد احتمالات شن الولايات المتحدة أو إسرائيل هجمة عسكرية على إيران قبل نهاية العام. وهنا في منطقة الخليج العربي، تسود حالة من التوتر غير المسبوق؛ حيث إن اقتصادات التعافي كانت دائما صعبة ولكن العوامل السياسية والجيوسياسية في 2010 تزيد من صعوبتها. ونحن نتمنى أن تصفو الأجواء

*خدمة «نيويورك تايمز»