على سياسة أوباما إزاء العراق الاهتمام بما بعد الانسحاب

TT

خلال خطاب الاتحاد الذي استغرق 71 دقيقة، لم يذكر الرئيس الأميركي باراك أوباما سوى بضع كلمات روتينية حول العراق. وطوال المدة التي تولت إدارته فيها السلطة، نأت بنفسها عن مناقشة الأهمية الجيواستراتيجية للعراق، خاصة فيما يتعلق بعلاقة أميركا بها.

ولكن بالرغم من أن العراق تم إقصاؤه من نقاشاتنا، ظل حاضرا في وعينا. كما أن انسحاب القوات الأميركية من العراق لن يغير من أهمية البلاد الجيواستراتيجية حتى وإن تغيرت الملابسات المحيطة بها.

لقد كانت بلاد الرافدين هي النقطة الاستراتيجية المحورية للمنطقة طوال الألفية الماضية، وكانت مواردها تؤثر على دول بعيدة عنها للغاية. بالإضافة إلى أن الخط الفاصل بين عالمي الشيعة والسنة يمر في مركزها، بل عبر عاصمتها، وتقع المقاطعات العراقية الكردية في أجواء من التوتر بين تركيا وإيران وخصومها الطبيعيين في العراق. وبالتالي فليس من مصلحة الأميركيين أن يتركوا المنطقة في حالة فراغ سياسي.

ومن جهة أخرى، ليس من الممكن فصل العراق عن الصراع المتعلق بالجهاد الثوري؛ حيث إن تداعيات ما يحدث في العراق سوف تؤثر على التوازن النفسي في الحرب ضد الإسلام الراديكالي؛ خاصة فيما يتعلق بما إذا كان سيتم النظر لعملية الانسحاب المستمرة من العراق باعتبارها تراجعا من المنطقة أم باعتباره وسيلة أفضل لتحقيق الأهداف.

على أية حال، فقد اختفى العراق من النقاشات السياسية في واشنطن، كما أن هناك مبعوثا خاصا لكل الدول ذات الأهمية الخاصة في المنطقة عدا العراق، رغم أن العراق هي الدولة التي سيحدد التطور الذي يطرأ عليها كيفية الحكم على العلاقة بين الأميركيين والتيارات الرئيسية في المنطقة.

كما يجب على إدارة أوباما أن تستجمع قوتها لكي تعلن أن العراق ما زال يلعب دورا مهما في الاستراتيجية الأميركية. حقا، للزيارات القصيرة التي يقوم بها المسؤولون الكبار أهمية رمزية. ولكن علام تدل؟ فما زالت هناك حاجة إلى استمرارية العمليات من المفهوم الاستراتيجي في المنطقة التي يحوم حولها الشبح الإيراني.

وقبل الحرب كان التوازن بين العراق وإيران واقعا جيوسياسيا مهما داخل المنطقة، ففي ذلك الوقت كانت الحكومة داخل بغداد سنية تتزعمها قيادة ديكتاتورية. وإلى الآن، لم تتوصل المنظومة الديمقراطية جزئيا، التي تسيطر عليها الشيعة والتي ظهرت بعد الحرب، إلى توازن مناسب بين مكوناتها السنية والشيعية والكردية. كما لم يتم تحديد طبيعة علاقتها مع إيران على المدى الطويل. وإذا غلب راديكاليون على الجزء الشيعي، وسيطر الجزء الشيعي على المناطق الكردية والسنية، وإذا ما تواصل مع طهران، فسنشهد ونسهم نسبيا في تغير جوهري في موازين المنطقة.

وسيكون لمحصلة الأوضاع في العراق تبعات كبيرة داخل السعودية، وهي دولة بارزة في الخليج العربي، بالإضافة إلى الدول الخليجية الأخرى. وستكون هناك تبعات أخرى في لبنان، حيث يكوِّن حزب الله، الذي يحصل على تمويل من إيران، دولة شيعية داخل الدولة. وعليه، تواجه الولايات المتحدة خطرا مهما خلال عملية تطور محدودة في السياسات الخارجية والمحلية داخل العراق.

وتواجه إدارة أوباما ورطة في المفاوضات مع إيران من أجل احتواء انتشار الأسلحة النووية. وسواء تمت تسوية القضية النووية من خلال الدبلوماسية أو حدثت تطورات أخرى، فسيتأثر الاستقرار داخل المنطقة بالقدرة على إحداث توازن استراتيجي وسياسي بين إيران والعراق. ومن دون مثل هذه الترتيبات، ستواجه المنطقة خطر البقاء إلى أجل غير مسمى فوق كومة من المتفجرات يشتعل فيها فتيل.

تتناول التصريحات الرسمية لسياسة الإدارة إزاء العراق بالأساس معدل الانسحاب، وحتى إشارة الرئيس أوباما للعراق في خطاب حالة الاتحاد جاءت في هذا السياق إلى حد بعيد. وتوجه دعوات إلى عدد قليل من القيادات العراقية الكبيرة لزيارة واشنطن وهناك تحفظ في استقبالهم. وتحتاج أميركا إلى البقاء لاعبا دبلوماسيا فعالا. ويجب النظر إلى وجودها على أنه له هدف يتجاوز الانسحاب، وهناك حاجة إلى إظهار التزام سياسي بالمنطقة. وعند تنفيذ استراتيجية خروج، علينا أن نتأكد من أن الاستراتيجية لا تزال مرتبطة بالخروج.

* مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية في عهدي الرئيسين نيكسون وجيرالد فورد

* خدمة «واشنطن بوست»