«جهادي» يرفع العلم الأميركي!

TT

في الوقت الذي خرجت فيه فتوى دينية في صنعاء تقول إنه في حال تدخلت واشنطن في اليمن ضد تنظيم القاعدة فإنه يجوز إعلان الجهاد عليها، يقوم طارق الفضلي، الرجل الذي خاض قتالا في الثمانينات إلى جانب الأفغان ضد الروس، أيام ما كان يسمى بالجهاد، برفع العلم الأميركي على منزله جنوب اليمن.

وعجائب اليمن لا تقف هنا وحسب، بل إن أحد أهم منظري «القاعدة» اليوم، ومفتيها، أنور العولقي، هو من مواليد أميركا، ويحمل الجنسية الأميركية، وهو المُنظِّر الذي بارك آخر أهم ثلاث عمليات ضد الأميركيين؛ من حادثة قاعدة فورت هود التي قام بها الطبيب الأميركي من أصل فلسطيني، وحادثة استهداف رجال الاستخبارات الأميركية في أفغانستان على يد طالب الطب الأردني، وأخيراً مباركته لمحاولة تفجير طائرة الدلتا الأميركية التي قام بها الطالب النيجيري، ولا يزال العولقي يقيم ويستقبل الإرهابيين في اليمن!

الواضح هنا أن القصة كلها انتهازية سياسية، وتنافس على السلطة، كما يبدو أن تغيير الولاءات في اليمن أسرع من تغير الفصول، حيث نرى الفضلي الذي طالما تفاخر بأيام الجهاد في أفغانستان، والرجل الذي قاتل في صف صنعاء ضد الجنوب أيام الحرب اليمنية - اليمنية، ما لبث أن انتقل اليوم إلى صف الحراك الجنوبي، ويقوم برفع العلم الأميركي على منزله من أجل إظهار براءته من التهمة التي توجهها له الحكومة اليمنية وهي التعاون مع تنظيم القاعدة، أي أنه يتبرأ أيضاً من رفاق الأمس في أفغانستان، مثلما أنه تنصل من الشمال اليمني!

وعندما نقول انتهازية سياسية، فالواضح اليوم أن مشكلة اليمن تكمن في الصراع على السلطة، وإن اختلفت المسميات، فـ«القاعدة» تبحث عن دولتها، وتعتقد أن اليمن هو المكان المناسب، لأن «القاعدة» لا تنشط، ولا ترتاح، إلا في الدول التي يكون فيها تنافس على السلطة، بين قبائل وقوى مختلفة فيما بينها، كما أن الحوثيين اعتقدوا، وبدعم إيراني، أن هذه فرصتهم السانحة لإعلان دولتهم شمال اليمن وعلى الحدود السعودية، مما يمكن طهران من خلق دويلة صغيرة لها في ذلك المكان على غرار دويلة حزب الله. وبالنسبة للجنوب اليمني، وإن كان لأهله مظلمة أو مطالب حقيقية، فإن البعض يريد أن يستغلها من أجل الزعامة والسلطة، مثل طارق الفضلي، الذي حارب مع صنعاء من أجل ضم الجنوب، واليوم يقاتل ضد العاصمة من أجل فصل الجنوب عن الشمال!

قصة معقدة، وعجيبة، تدل على أن أزمة اليمن اليوم هي أزمة سياسية بحتة، يستغلها الجميع، ولكنْ كل وفق رؤيته؛ فرجال الدين لهم رؤية وطموح، ولـ«القاعدة» أيضاً طموح ورؤية، والأمر نفسه ينطبق على الحوثيين، والحراك الجنوبي، وكذلك أهل صنعاء حيث لهم، ولديهم، حسابات معقدة، تشي بصراع سياسي، والضحية الرئيسي في كل ذلك هو اليمن واستقراره، وأمن الخليج العربي، ولذا فمن الواضح أن اليمن في حاجة إلى عملية سياسية تصحيحية تتطلب الكثير من العمل لضمان عدم انفراط عقد الدولة اليمنية.

[email protected]