فعلا عصر الجزم الطائرة!

TT

لو كان كاتبنا العظيم توفيق الحكيم حيا لمات فجأة. فعندما علم توفيق الحكيم أن أحد لاعبي كرة القدم في مصر قد اشتروه بثلاثة ملايين جنيه صرخ ووقف وجلس وتلفت حوله يمينا وشمالا، ولحسن حظنا كانت الغرفة بلا نوافذ ليفتح واحدة ويلقي بنفسه منها.. وقبله كل كتبه وما يجد في غرفته من كتب أخرى.. وقال قولة صدق: «إن جميع الذين أمسكوا قلما منذ أيام (الكاتب المصري الجالس القرفصاء) حتى يومنا هذا لم يتقاضوا مثل هذا المبلغ». وقدم لنا اسما جديدا لهذا العصر الذي نعيش فيه؛ قال: «ذهب عصر القلم جاء عصر القدم».

ولكن الحكيم مات قبل أن يرى الطبل والزمر والإعلام والأغاني في جميع قنوات الإذاعة والتلفزيون والشوارع والميادين لأن الفريق المصري قد حصل على كأس القارة الأفريقية للمرة السابعة، ووعدوهم بفلوس وهدايا وبالحفلات والليالي، لا في القاهرة وحدها وإنما في الإسكندرية التي جاء منها معجزة كرة القدم المصري الشاب؛ اسمه: جدو.. ثم النكت التي تناقلناها عن كلمة «جدو».. يقال: إذا تقدم لابنتك عريس فلا تسأله عن أبيه وإنما عن جدو.. وقيل ما دامت قد نجحت تجربة جدو سوف يضم إلى الفريق القومي: عمته وخالته وجدته!

لا أظن أن توفيق الحكيم كان في استطاعته أن يحتمل كل هذه الحفاوة التي لم يلقها الفائزون بجائزة نوبل: السادات ونجيب محفوظ والبرادعي.

وكأنها نبوءة لتوفيق الحكيم أن رأينا أحد اللاعبين المصريين يخلع جزمته التي أحرز بها هدفا، وراح يضعها على صدره عند قلبه ويدلعها كأنها مولوده الجديد.. فعلا نحن في عصر الجزم! ضربنا بها الرئيس بوش، وقاضي قضاة مصر السنهوري باشا، وضربوا بها قاضية في إسرائيل، وأحد أعضاء مجلس الشعب، ثم تدلعت وتدلعت في أنغولا بين ذراعي أحد اللاعبين المصريين الذي يتأكد به نهائيا أننا في عصر الجزم!