النملة حرس وحوافر الفرس

TT

أجمل ما في الحياة هو أن يعيش الإنسان أطوارا مختلفة تتجدد بانتقاله من مرحلة إلى أخرى. في طفولتي كنت شغوفة بالقص شغفا دفعني لاضطهاد أبي. كان إذا عاد من عمله وحاول أن يرتاح وجدني إلى جواره مثل هرة صغيرة تموء طلبا للطعام. ولكني لم أطلب طعاما بل الكثير من القصص التي ما زلت أذكر بعضا منها. وحين صرت أما تفننت في شراء كتب قصص الأطفال الموجودة في أسواق لندن. وها هي الحياة تأخذني إلى طور جديد فأجدني أتطلع بشوق إلى يوم أصير فيه جدة تروي القصص للحفيد. وكم تمنيت أن أجد مستودعا جديدا يمكن أن يقوي عند الحفيد - إن من الله عليّ بالأحفاد - إحساسا بالهوية. كنت أبحث عن قصص تفسر حقيقة الكون ووضع الإنسان فيه ومعان جميلة عن الحياة والعلم والعمل.

منذ أيام التقيت بسيدة لبنانية هي أمل الحكيم بعلبكي تجاوز انشغالها بثقافة الطفل كل تطلعاتي، ربما لأن انشغالي بالأمر ظل في إطار الحلم الخاص بالحفيد. بينما تجاوز طموحها الشأن الخاص إلى العام، فوضعت نصب عينيها ثقافة طفل قائمة على الفكر السليم. باكورة الإنتاج كتاب بعنوان «النملة حرس وحوافر الفرس» مرجعيته حكاية النملة وسليمان الحكيم التي ذكرت في القرآن الكريم في سورة النمل.

ذكرتني الرسوم البديعة والألوان الجميلة والطباعة الفاخرة بكتبي المدرسية في الطفولة البعيدة، حين كان التعليم في المدارس الحكومية جواز سفر إلى سعة الأفق وانطلاق الخيال وثقافة مجتمعية نابعة من قيم عقيدة قوية لا تتزحزح.

ولا شك أن نملة سليمان هي نموذج للقيادة الناجحة التي تعلم المخلوق الصغير، مهما كان صغيرا، أن القائد الناجح هو من يبادر لحماية المجموعة، الذي ينبذ التواكل ويأخذ بالأسباب. والأهم من ذلك هو أن يثق بخالق الأرض والسماء.

وفهمت أن الكتاب تحول إلى مسرحية يقوم ببطولتها أطفال بين سن السادسة والحادية عشرة، عرضت في بيروت وسيعاد عرضها في بداية شهر أبريل (نيسان) المقبل برعاية بيت التمويل العربي وهو بنك إسلامي قطري.

لو لم يكن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر لما اختزنت في ذاكرتي قصة رواها لنا الأستاذ عبد الهادي، معلم المدرسة. ما زلت أذكر وجهه الطيب ولحيته التي خطها الشيب، وهو يروي لنا قصة عبادة الأوثان قبل الإسلام. قال: إن عابد الأوثان كان يبني لنفسه وثنا ثم يجلس أمامه ليعبده، وهو يعلم أن الوثن لا يضر ولا ينفع. وفي أحد الأيام صنع رجل لنفسه وثنا من التمر وجلس طويلا أمام الوثن ليتعبد. وفجأة مسه الجوع ولم يطق على جوعه صبرا. فما كان منه إلا أن بدأ في التهام الوثن شيئا فشيئا. فمن هنا أصبع ومن هناك أذن حتى سد جوعه.

أتذكر ابتسامة الأستاذ عبد الهادي وهو يسألنا وكل العيون شاخصة نحوه: هل يظن أحدكم أن تمثالا من التمر يمكن أن يدافع عن نفسه؟ أيريد أحدكم أن يكون إلهه تمرا يأكله ثم يشرب بعده كوبا من الماء البارد؟ وهنا تحولت ابتسامة الأستاذ عبد الهادي إلى ضحكات تبادلناها نحن الصغار، وكل منا يندهش من سخف عبادة الأوثان التي كانت ظلاما انقشع بظهور الإسلام.

كم أتمنى أن تخاطب النملة حرس حفيدي يوما.