دفاعا عن سورية؟

TT

تمثل تصريحات أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي، تجاه سورية الوجه الإسرائيلي القبيح ونوايا إسرائيل للتهرب من استحقاقات السلام بدفع المنطقة تجاه التصعيد والحرب. فعندما يتحدث الوزير الإسرائيلي عن سورية وعن رئيسها بهذه الفجاجة قائلا: إن «دمشق ستهزم وإن الرئيس بشار الأسد سيفقد السلطة هو وعائلته في أي معركة قادمة»، ففي هذا غرور وعنجهية لا بد من إيقافها عند حدها.. القصة ليست الرئيس الأسد أو أي رئيس عربي غيره، ولكن تجرؤ إسرائيل على تهديد قيادة عربية، هو أمر لا يجب أن يكون مقبولا، أيا كانت الخلافات العربية العربية. أيا كانت الخلافات حول السياسات الداخلية أو الخارجية للدول العربية، لا بد من إدانة مثل هذه التصريحات المشحونة بغرور القوة في إسرائيل. لا بد أن تكون رسالة العرب لإسرائيل واضحة لا لبس فيها، بأن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن نوايا سلمية تجاه الدول العربية وقياداتها وشعوبها.

يخطئ الإسرائيليون إذا ما قرأوا المشهد السياسي العربي على أنه مشهد محاور منقسم بين ممانعة واعتدال، حيث تكون مصر والمملكة العربية السعودية على جانب الاعتدال، وتكون سورية في الجانب الممانع، أقول لهم إن هذه قراءة خاطئة، فالعرب يختلفون فيما بينهم على الكثير، ولكن يجمعهم أي تهديد إسرائيلي لأي من بلدانهم، وأن مقتل أي عربي بالرصاص الإسرائيلي يثير غضبنا جميعا، فالذين تقتلونهم أبناؤنا وبناتنا، ولا يوجد عربي واحد يسترخص هذه الدماء الذكية، أيا كانت نعومة لغته.

أساء الإسرائيليون قراءة الكثير من النقد العربي لسورية أو حتى لحزب الله في حرب 2006 وظنوا أن هناك انقساما عربيا بين اعتدال وممانعة، وظنوا أيضا أن محور الاعتدال يتمنى هزيمة حزب الله في الحرب، هذا ليس صحيحا على الإطلاق. انقسام العرب كان حول أنجع السبل لتجنيب لبنان الخسائر، العرب كانوا خائفين على الشعب اللبناني برمته، من شيعة وسنة ومسيحيين، ودروز وأرمن وغيرهم من الطوائف. كان اختلاف العرب حول تقييم تبعات الحرب على لبنان، ولكن لم يكن هناك عربي واحد، حتى لو كان مارقا يتمنى أن ينهزم حزب الله أمام إسرائيل، فحزب الله، رغم اختلافنا معه سياسيا واجتماعيا، وحتى عقائديا أحيانا، إلا أن شباب حزب الله هم من خيرة شباب العالم العربي، ولا يتمنى لهم أحد أن يصابوا بأذى، أيا كانت اختلافاتنا معهم على وسائل تحرير التراب اللبناني من السيطرة الإسرائيلية. في حرب حزب الله مع إسرائيل انتقدنا حزب الله واتهمناه بالرعونة السياسية، ولكن على الإسرائيليين أن يعلموا أنه لم يكن هناك عربي واحد يصفق لهم، كنا نحن مشغولين بحوار داخلي عن كيفية إنقاذ حزب الله ولبنان من الدمار. كنا ننتقدهم ليس كرها، بل خوفا عليهم وعلى بلادهم. ولهذا السبب، لا بد أن يدرك الإسرائيليون أيضا أنه حتى أشد المنتقدين للسياسات السورية من العرب سيكونون أول المدافعين عن سورية في حالة أي تهديد إسرائيلي لها.

كتب رئيس تحرير هذه الصحيفة منذ أسبوع منتقدا هيلاري كلينتون واتهامها لحماس بأنها منظمة إرهابية وقال: نحن نختلف مع حماس ومع طريقتها في المقاومة، لكن لا يجب أن يتخيل الغرب أننا يوما سنصف حماس بأنها إرهابية، وهذه هي الحقيقة. نحن نختلف مع أسلوب حماس في إدارة الأزمة مع إسرائيل، وفي طريقة تعاطيها مع مصر، ولكن لا يوجد عربي واحد يقبل بأن توصف حماس بأنها منظمة إرهابية، كيف وهم مجموعة منا يضعون أرواحهم على أكفهم دفاعا عن الأرض وعن العرض. نحن لا نخوّن حماس ولكن نتهمها بالغباء السياسي أحيانا وبعدم النضج أحيانا أخرى، ولكن ليس منا من ينكر على الشعب الفلسطيني بكل فصائله حقه في مقاومة المحتل وحقه في استرجاع أراضيه، وحقه في الحياة الكريمة.

أنا شخصيا انتقدت إسماعيل هنية وانتقدت خالد مشعل وسياساتهما، وسأنتقدهما لاحقا، لكن ليس معنى هذا أنني لا أقف معهما في صف واحد ضد أي اعتداء إسرائيلي على الفلسطينيين، فهم منا ونحن منهم، ولكننا نختلف داخل البيت العربي الواحد. العنصرية الإسرائيلية ما زالت تقرأنا كأننا قبائل بدائية مواقفها تقع في خانتي الأبيض والأسود، نحب بعنف ونكره بعنف. هذا ليس صحيحا، فالشعوب العربية اليوم ورغم كل شيء هي أكثر تعقيدا من أن يفهمها عقل عنصري يراها أحادية الأبعاد. العرب يعرفون الكثير عن العالم وربما يعرف العربي عن أميركا وإسرائيل أكثر بكثير مما يعرفه خيرة المثقفين الأميركيين والإسرائيليين عنا، فنحن نعرف أكلاتكم وأفلامكم ولغاتكم أكثر مما تعرفون عنا. هذه المعرفة تجعلنا أناسا مركبين في مواقفنا السياسية، والقصة ليست أبيض وأسود عندنا، كما تتصورون.

ظن الإسرائيليون أحيانا أن عضو الحزب الشيوعي الفلسطيني، الشاعر الكبير محمود درويش، قد تخلى عن إسلامه وهويته لأنه شيوعي، وعاملوه على أنه من الممكن غوايته، حتى سمعوا منه قصيدته الشهيرة التي ضربتهم في مقتل في الغرب «عابرون في كلام عابر» عندما قال لهم: «أيها المارون بين الكلمات العابرة/ آن أن تنصرفوا/ وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا/ آن أن تنصرفوا ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا/ فلنا في أرضنا ما نعمل/ ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأول/ ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل/ ولنا الدنيا هنا.. والآخرة /فاخرجوا من أرضنا/ من برنا.. من بحرنا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا/ من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة/ أيها المارون بين الكلمات العابرة!».

درويش كان شيوعيا، ولكنه كان شاعرا قبل كل شيء، وكان عربيا قبل وبعد كل شيء، ربما يختلف مع هنية ومشعل ومع الجهاد الإسلامي، ولكنه لا يختلف معهم في كراهية الاحتلال وفي احتقاره للغرور والعنجهية الإسرائيلية.

صفق العرب لمحمود درويش لأنه كان يعبر عما يجول بدواخلهم تجاه المغتصبين، ليس في فلسطين فقط، بل في كل مكان في العالم.

هذه الشخصية العربية المعقدة تستعصي على الفهم عند عقل أحادي مثل عقل أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي الذي قد ترسم له نفسه المريضة خيالات، مفادها أن هناك عربيا واحدا قد يقبل تهديداته لسورية ولقيادتها، حتى لو كان معتقلا سياسيا في سوريه ذاتها. لقد آن الأوان أن يعرف الإسرائيليون أن الخلافات العربية- العربية ليست حبلا يمكنهم اللعب عليه. المسألة أعقد من ذلك بكثير.

العنجهية الإسرائيلية وغرور القوة لا بد أن تقف عند حدها. وليدرك الإسرائيليون أن كثيرا من العرب ممن تعرفوا على ثقافتهم وعلى مجتمعهم، لا يرون فيهم ما يرون هم في أنفسهم، فنحن نرى ورغم كل الإبهار التكنولوجي الإسرائيلي أن إسرائيل مجتمع متخلف سياسيا، ولا يرقى أفراده أن يكونوا مثل العرب الموجودين في أقصى المناطق العربية تخلفا. الإنسان العربي حتى لو كان أميا، هو متحضر بطبعه، وهي صفة لا أظن أن الإسرائيليين يملكونها، لأن صفة الحضارة تأتي من خلال استمرارية العيش في حواضر قديمة كدمشق والقاهرة، استمرارية في الحياة، في المأكل والمشرب، والملبس والموسيقى والمزاج. إن خلط التقدم التكنولوجي بالحضارة هو خلط كاذب، فامتلاك أدوات العنف من طائرات ودبابات ومدافع وقنابل، لا يعني امتلاك ناصية الحضارة.

على الإسرائيليين أن يعلموا أن لغة المتطرفين منهم من أمثال أفيغدور ليبرمان غير مقبولة ولو من أكثر العرب اعتدالا من محبي السلام. يجب أن يتوقفوا عن هذا الغرور وفورا. فقد فاض الكيل.