الرئيس أوباما يخون أصوله كمنظم مجتمعي

TT

بدا المنظم المجتمعي السابق، باراك أوباما، في السابق وكأنه يدرك دور المؤسسات المجتمعية. وكان هذا الإدراك من بين ادعاءاته القليلة الجديرة بالثقة بالتواصل الآيديولوجي. وفي عشية حفل تنصيبه، وأمام الكاميرات، أخذ أوباما بكرة دهان ليدهن جدران أحد ملاجئ المشردين في واشنطن. وحافظ على مكتب البيت الأبيض الذي يشجع المجتمع المحلي والجمعيات الخيرية الدينية. وفي شهر يونيو (حزيران)، وأثناء خطاب للإشادة بالمنظمات غير الربحية، قال أوباما: «يجري تطوير حلول للتحديات التي تواجه أميركا كل يوم على مستوى القاعدة الشعبية. وينبغي على الحكومة رعاية هذه الجهود، لا تجاهلها».

لكن هذا النداء لم يحظ بثقل كبير في عملية وضع الميزانية (وهو ما يسبب خيبة أمل لكتاب الخطابات في كل مكان). فللمرة الثانية على التوالي يقترح الرئيس أوباما خلال وضع الميزانية خفض الخصومات الضريبية على التبرعات التي يقدمها الأثرياء، وبهذا تزيد كلفة نفقاتهم الخيرية بنسبة 10%، وهو ما يوفر للحكومة الفيدرالية إيرادات تبلغ نحو 300 مليار دولار في غضون عشرة أعوام.

والتبرير العام لهذه الزيادة الضريبية هو العدالة. وقد جاء في الميزانية: «في الوقت الحالي، إذا تبرعت أسرة من الطبقة المتوسطة بدولار للجمعية الخيرية التي تفضلها، أو أنفقت دولارا على فائدة الرهن العقاري، فإنها تحصل على خصم ضريبي يبلغ 15 سنتا، لكن أي مليونير يفعل نفس الشيء يتمتع بخصم أكثر من الضعفين». وفي الموسم الأخير من الموازنة، قال أوباما: إن هذه الزيادة الضريبية من شأنها أن «توازن» أي تباين و«تجمع بعض الإيرادات من الأشخاص الذين حققوا استفادة كبرى على مدار السنوات العديدة الماضية».

نادرا ما كانت الحماقة الاقتصادية أكثر جرأة، أو المبادئ الشعبية أكثر تدميرا للأفراد ذوي المبادئ. بادئ ذي بدء، يتمتع الأثرياء في الوقت الراهن بخصم مقداره 35 في المائة على تبرعاتهم الخيرية نظرا لأنهم يدفعون ضرائب بمعدل 35 في المائة. إن استقطاع دولار في الدخل من ضرائبهم يوفر لهم استفادة أكبر، فقط لأنهم يدفعون معدلا ضريبيا أعلى وتصاعديا على دخلهم. لماذا إذن لا يرفع الخصم الضريبي على الأعمال الخيرية للطبقة المتوسطة إلى 35 في المائة من أجل إنهاء هذا التباين؟ السبب هو أن هدف الإدارة ليس تحقيق الإنصاف، بل تحقيق إيرادات فيدرالية.

ومن سيقدم هذه الإيرادات؟ تجيب الإدارة: الأثرياء. لكن ذلك ليس دقيقا تماما. ففي ظل هذا الاقتراح، لن يتأثر الأثرياء الأنانيون، الذين يشترون السيارات الفارهة من ماركة «بنتلي» بدلا من التبرع للكليات والمستشفيات والجمعيات الخيرية. وسيتأثر فقط الأثرياء الأسخياء. وبدلا من معاقبة الأثرياء، يعاقب هذا الاقتراح هذه الشريحة من الأثرياء الذين يكشفون عن ثرواتهم. وسوف يخدمهم ذلك.

وعلاوة على ذلك، تقول الإدارة إن هذه الضريبة على الأثرياء الأسخياء لن تؤثر على مستوى الهبات الخيرية كثيرا، ربما لأن هؤلاء الأشخاص السذج المثاليين سيواصلون التبرع حتى بعد معاقبتهم. لكن الأبحاث الاقتصادية تظهر ما يشير إليه المنطق، وهو عندما تأخذ ضريبة من شيء ما، فإنك تحصل على القليل منه، وعندما تدعم شيئا ما، فإنك تحصل على المزيد منه. ويستنتج روبرتون ويليامز، من مركز سياسة الضريبة، أن هذا الاقتراح الضريبي سيتسبب في انخفاض قدره 10 مليارات دولار من إجمالي التبرعات السنوية للأميركيين التي تبلغ 300 مليار دولار، وهذه ليست مشكلة كبيرة في الأعمال الخيرية بل نوع من الضغوط، خاصة أن المنظمات التي لا تهدف للربح تتعامل مع آثار الكساد. واتضح أن المنظمات غير الهادفة للربح تعتمد على الدعم من الأفراد الذين يحققون أرباحا.

إن الرمزية أكبر كذلك من العواقب الاقتصادية. أثناء دورة الميزانية الأخيرة، قال بعض المدافعين عن هذا الاقتراح: إن فرض ضريبة على التبرعات سيساعد قطاع المنظمات غير الربحية عن طريق تمويل تغطية صحية أشمل، ستخفف من الضغط على المنظمات غير الربحية التي تقدم الخدمات الاجتماعية. ومع فشل الرئيس في إقرار قانون الرعاية الصحية حتى الآن، فإن هذا التبرير أكثر عبثية.

لا تزال إدارة أوباما متشبثة برأيها: أن الحكومة المركزية ستستخدم الأموال المحصلة من هذه الضريبة على نحو أفضل مقارنة بالقطاع الخاص. وفي هذه الحالة، إذا كان الأمر كذلك فالرئيس جدير بالإشادة على ذلك، لكنه لم يعد يستطيع الادعاء في الوقت ذاته بأنه نصير المنظمات غير الربحية. إن مثل هذا الاقتراح لا يشير إلى حماسة آيديولوجية لحكومة موسعة فقط، بل إلى ازدراء للمجتمع المدني كذلك.

ويمكن أن يضيع الدفاع عن المجتمع المدني وسط فجوة سياسية. فالكثير من الليبراليين لا يثقون صراحة في دوافع ووسائل المجتمع المحلي والمؤسسات الدينية. والكثير من المحافظين يرون المجتمع المدني على أنه بديل للحكومة، متجاهلين إمكانية أن تكون هناك حاجة إلى السياسة الحكومية، بما فيها السياسة الضريبية، لزيادة قوة هذه الجهود ونطاقها. لكن المؤسسات غير الربحية - بدءا من المنظمات الخيرية ومرورا بالكليات والكنائس، التي تعد التفسير الأساسي للصحة الديمقراطية لأميركا - هذه المؤسسات تشجع على الحكم الذاتي، وتقدم الخدمات الأساسية وتحقق التوازن بين طموحات الدولة، هي الإسهامات التي تتوقع أن يتفهمها أي منظم مجتمعي.

* خدمة «واشنطن بوست»

- خاص بـ«الشرق الأوسط»