أوباما.. والتغيير بالكلمات

TT

من المفارقات أن الرئيس أوباما لم يكن أبدا مقنعا كرجل شعبي في الرئاسة. لقد نشأ أوباما نشأة متواضعة، حتى إن أسرته كانت تعيش على برامج الإعانة الغذائية لبعض الوقت، وكان في حاجة إلى المنح الدراسية والقروض لتغطية تكاليف تعليمه الراقي. إذن فهو يدرك تماما كفاح الرجل الأميركي العادي.

على النقيض من ذلك، ولد سلفه جورج دبليو بوش لأسرة ثرية ونشأ وسط حالة من البذخ والامتيازات والسلطة. إلا أن بوش كان قادرا على أن يتخيل حياة الرجل الأميركي العادي، وهو ما جعل الشعب الأميركي ينسى إرثه الأرستقراطي، فيما لم ينجح أوباما في أن يصبح رجلا أميركيا عاديا، وحتى إذا شمّر أكمامه، وفك رابطة عنقه وبدأ يتحدث مثل سلفه، مسقطا الحرف الأخير من كلماته كي يبدو شعبيا، فإن أحدا لن ينخدع بذلك.

وعليه، فإنني آمل أن لا يعير البيت الأبيض اهتماما للناقدين الذين يدعون أوباما إلى تعزيز صورته الشعبية. حيث يجب أن تكون استعادة المبادرة السياسية متعلقة بالجوهر والعاطفة وليس بالأسلوب.

ومما لا شك فيه أن الاستعانة بديفيد بلوف، مهندس الحملة الانتخابية الرائعة لأوباما، كانت خطوة ذكية من شأنها مساعدة الرئيس على إيصال رسالته على نحو أكثر فاعلية. ولكن يجب أن يشتمل جزء من هذه الرسالة على توضيح أهداف أوباما؛ حيث إن استخدام مترادفات مختلفة لكلمة «يحارب» أكثر من عشرين مرة في تصريحات مقتضبة نسبيا، كما فعل مؤخرا في ولاية أوهايو، ليس كافيا، فهو يحتاج عند مرحلة ما أن يتخذ إجراء فعليا.

وأنا لا أتحدث هنا عن التوجهات؛ فالمسألة لا تتعلق بأنه يجب عليه أن يصفع معارضيه كي يثبت قوته وسلطته، بل يتعلق الأمر بأنه إذا كان برنامج أوباما السياسي بتلك الحيوية والأهمية التي يتحدث عنها، فينبغي إذن على البيت الأبيض أن يجعل أعماله تتفق مع كلماته. ففي مجال الرعاية الصحية، تحدث أوباما إلينا لمدة أشهر عن مدى أهمية تطبيق حزمة إصلاحات شاملة من أجل رفاهية البلاد. وإذا كان ذلك صحيحا عندما كان للديمقراطيين ستين صوتا في مجلس الشيوخ، فإنه يظل صحيحا على الرغم من أنهم لم يعد لديهم سوى تسعة وخمسين صوتا فقط. وبما أن الكونغرس أصبح في مأزق، فما الخطوة القادمة لأوباما؟ هل يجب عليه أن يبدأ من جديد ويحاول إقامة «مفاوضات» مع الجمهوريين الذين أعربوا بوضوح عن معارضتهم لتلك الإصلاحات؟ أم يصبح عليه أن يمضي قدما مع القيادة الديمقراطية في الكونغرس، مستخدما جميع المناورات البرلمانية الممكنة، حتى وإن كان ذلك سوف يؤدي إلى أضرار سياسية على المدى القريب تحت شعار «الصائب والضروري»، على حد قول الرئيس؟

لقد كان وعد أوباما بتغيير طريقة العمل في واشنطن سببا رئيسيا في نجاحه في الانتخابات. وكان يحاول التمسك بتلك الوعود، على الرغم من أن الطريق إلى جهنم يكون في كثير من الأحيان مفروشا بالنوايا الطيبة. ففيما يتعلق بخطة الإنقاذ المالية، على سبيل المثال، تبنى أوباما حزمة ضخمة من التخفيضات الضريبية في محاولة لاسترضاء الجمهوريين، الذين أشاحوا بوجههم عن تلك المحاولة واستمروا في التصويت بالسلب؛ فرقصة التانغو التي يحاول أن يرقصها أوباما بين الحزبين لا يمكنها أن تنجح إذا لم يرقص أحد الحزبين. وعلى الرغم من سياسة التواصل تلك، تضاءلت نسب تأييد أوباما، وأعتقد أن السبب في ذلك يرجع إلى أن لنتائج الأفعال أهمية تفوق خطوات تنفيذها. صحيح أن الناخبين سئموا العمل بالطريقة التقليدية في واشنطن، إلا أن ذلك ليس لأسباب جمالية؛ فهم لا يكترثون إذا ما كان أوباما يتحدث بصوت عال أم لا. فالأهم بالنسبة لهم أنه يتحدث بصوت واضح ومحدد. فعندما يضع خطة محددة - سواء بشأن الرعاية الصحية أو الوظائف أو الطاقة أو أي شيء آخر - فينبغي له أن يفعل كل ما بوسعه للدفاع عن تلك الخطة حتى إذا كان ذلك يعني إغضاب البعض أو جرح مشاعر البعض الآخر. وفي النهاية، سيحترم الناخبون إنجازات أوباما، وليس تطلعاته، وسيقدرون عاطفته، وليس أناقته. لذا، سيكون من الأفضل أن يخبر الرئيس الشعب الأميركي بأنه يحارب نيابة عنه طالما أنه يتذكر دائما أن ما يريده الشعب الأميركي فعليا هو أن ينتصر، لا أن يحارب فقط نيابة عنه.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».