الأميركي الذي رعى «الجهاد»!

TT

وفاة رجل الكونغرس الأميركي تشارلي ويلسون، أو أبي المجاهدين الأميركي، أعادت الحياة لذاكرة غيبت طويلا عن حقيقة التدخل الأميركي الأول في الثمانينات بأفغانستان، وتاريخ الدعم المالي والمسلح لـ«المجاهدين» هناك من خلال أموال الشعب الأميركي، وذلك لقتال الجيش السوفياتي وقتها.

عاش الرجل ومات، ورأى بعينه كيف دخلت بلاده أفغانستان لأنها «المكان الوحيد الذي يمكن قتل الروس فيه» بحسب تعبيره الشهير، ورأى أيضاً كيف عادت بلاده مرة أخرى إلى أفغانستان التي يراها أبناء «مجاهدي» الأمس الذين دعمهم ويلسون بالمال والسلاح من طالبان و«القاعدة» أنها باتت المكان الوحيد - أيضاً - الذي يمكن قتل الأميركيين فيه!

وفاة ويلسون جاءت في وقت حساس بالنسبة لأميركا، ولكل من يهتم بأفغانستان، ومحاربة الإرهاب أيضاً، لأنها جاءت بمناسبة تذكير لم يسعَ له الإعلام الغربي، رغم أن هناك فيلماً قد أنتج عن الرجل، وتذكير لم يجتهد فيه الإعلام العربي أبداً، مثلما تعمد «مجاهدو الأمس» إغفاله أيضاً، لطمس علاقاتهم السابقة بأميركا، مثلما تعامل الإعلام الأميركي مع وفاته بحذر، حيث ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى القول بأنه الرجل الذي دعم «الانتفاضة» الأفغانية، التي توصف اليوم بالإرهاب، في محاولة انتقائية واضحة لأحداث تاريخية ندفع ثمنها اليوم!

وكما أسلفنا، فقد جاءت وفاة رجل الكونغرس لتظهر خلفيات اللحظات الأولى للتورط الأميركي، ومعه العربي، في أفغانستان، والذي تم لوم السعوديين، وغيرهم من العرب، عليه لاحقاً، وإن كان الأميركيون قد أفرطوا في لوم السعودية.

ومثلما أن رحيل هذا الرجل جاء ليذكر أجيالا لا تتذكر حقبة الثمانينات التي انطلقت فيها رحى المعركة في أفغانستان بعد الاحتلال السوفياتي وقتها للبلاد في 1979، والتدخل الأميركي الذي قاده تشارلي ويلسون عندما وفر أسلحة بما قيمته تقارب خمسة مليارات دولار، فإنه يذكر أيضاً صناع القرار في واشنطن بما سبق أن حذر منه أبو المجاهدين الأميركي، وهو عواقب التخلي وقتها عن أفغانستان بعد اندحار الجيش السوفياتي، حيث حذر ملياً من عواقب إهمال إعادة بناء أفغانستان. لكن أحداً لم يستمع له على مدى عقدين في واشنطن، وها هي أميركا تعود اليوم مرة أخرى إلى أفغانستان لتلاحق بعض من دعمتهم بالأمس، ولمواجهة أبنائهم، أو أحفادهم.

وإذا كانت الصورة تساوي ألف كلمة، فإن صورة رجل الكونغرس السابق وهو يمتطي صهوة جواده جنباً إلى جنب مع «المجاهدين» في أفغانستان عام 1987، تساوي حقيقة أكثر من ألف كلمة، وأكثر من ألف كتاب كُتب عن مرحلة أفغانستان قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لأنها تصحح في الأذهان نقطة البداية في التورط في أفغانستان. وإن كان وقتها تدخلا مبررا، بمقاييس ذلك الوقت، ومعطياته، فإنه درس مهم للخطأ الذي حدث وقتها وهو إهمال كابل بعد أن حقق الأميركيون ما أرادوه في صراعهم مع الروس، وهو درس مهم لأن واشنطن عادت مرة أخرى اليوم إلى أفغانستان بعد كل هذه السنين، وتنوي اليوم الخروج من العراق.

[email protected]