زوايا العلم وزوايا الشوارع

TT

طرحت أميركا منذ الحرب الباردة سؤالا وجوديا: «لماذا يكرهوننا؟»، وطرح العرب، منذ الحاج أمين الحسيني وعبد الناصر وأبو عمار: «كيف نربح أميركا إلى جانبنا؟». وقد استطاع أنور السادات أن يكسب أميركا فلم يحصل على أكثر من رد سيناء. واستطاع ياسر عرفات أن يصل إلى تأييد أميركا فلم يحصل على أكثر من أوسلو، ثم كافأته إسرائيل بانتخاب أرييل شارون، وكافأه جورج بوش بأن رفض استقباله حتى مماته.

وكنت من الذين كتبوا، منذ 1967، أن الصراع بيننا وبين إسرائيل والغرب، له ساحة واحدة هي التقدم والعلوم والازدهار. لن يسمعنا أحد إذا كنا فقراء، ولن نؤثر في أحد إذا كنا مجرد أعداد متخلفة. ولم أكن أخترع البارود ولا بودرة الأطفال. كما كنت أعرف أن كثيرين، في بلاد مليئة بالفقر والتخلف والجهل، سوف يرون في الدعوة إلى رفع العلوم ونشرها، أمرا مريبا. وقد أمضيت في لندن ربع قرن لم أدخل إلى بيت «إنجليزي» ولا دخل «إنجليزي» إلى بيتي، خوفا أن تقع علي الشبهة بالتعامل مع الاستعمار.

تأملوا نموذجين فقط: «الصين والهند». كانتا إلى 30 عاما خلت، نموذج التخلف والمرض والأمية. ثم جاء العلم. والاقتصاد الصيني يتقدم الآن اليابان وألمانيا وفرنسا وسواها. والهندي صار يمشي رافعا رأسه بعدما كان يهزه في انكسار. وأنظر إلينا، كم رقصنا وتفاخرنا، عندما حصل أحمد زويل على «نوبل العلوم». وكيف طربنا لنجاحات مجدي يعقوب ومايكل دبغي. لا أدري ما النسبة المئوية على 350 مليون بشري. لا أدري ماذا تشكل زها حديد في نسبة نساء العالم ونسبة نساء العرب.

على أنني اليوم في نيويورك، المدينة التي ينجح فيها الإنسان أو يفشل، وأنا أشعر بسرور شديد لأن في إمكاني أن أشتري الكستناء المشوي عند زاوية كل شارع، من بائع عربي. ولكن بعد فترة تبين لي أن الوجود العربي، في أكثره، على عربات تبيع «الهوت دوغز» وتطلق عاليا أغنيات «روبي» ونانسي عجرم.

وأما جامعات نيويورك ومصانعها ومختبراتها فمليئة بسوانا، إلا من عربي هنا أو هناك. وبالكستناء وأغاني روبي يمكن أن نصل إلى حواس الأميركي في الطريق، فيما يصل الألوف غيرنا إلى عقله، ويتفوقون عليه، وينافسونه في ثرواته وعلومه ورسم مستقبله. وعندما نرى كل ذلك ونغضب نرسل إليه خرجا جديدا آخر: عمر عبد المطلب.