كلام ضابط هارب إلى إسرائيل

TT

ليس مألوفا أن يخرج ضباط المخابرات على شاشات التلفزيون يكشفون عن وثائقهم السرية، إلا أن القناة العاشرة الإسرائيلية وجدت أحدهم مستعدا لذلك. فهمي شبانة، قدمته كضابط مخابرات سابق في السلطة الفلسطينية، لديه صندوق مليء بالوثائق والأشرطة التي تجسست بها المخابرات الفلسطينية على مواطنيها ومسؤوليها. الفكرة في حد ذاتها خطيرة، وكفيلة بإسقاط أي حكومة أو خلق حالة قلق كبيرة.

مرت المقابلة على شاشة القناة العاشرة الإسرائيلية بهدوء، مع أنها حظيت بمشاهدة كبيرة لغرابتها وتوقيتها. وباستثناء بعض التصريحات الرسمية الساخرة فإنها لم تحرك أحدا في الشارع الفلسطيني. هل أخفقت لأن المحطة إسرائيلية؟ أم لأن الشاهد بلا مصداقية؟ أم أن السلطة الفلسطينية صارت في أعين مواطنيها أرفع مقاما من أن تتهم؟

هذه المعركة التلفزيونية مفيدة لسبر عواطف وعقل الإنسان الفلسطيني تجاه الوضع الحالي بعد نحو ست سنوات من تغير القيادة الفلسطينية، وبعد ثلاث سنوات من إقامة نظام أمني جديد في رام الله. الوثائق والاتهامات المزعومة قديمة نسبيا، وجميعها منسوبة إلى عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي لا يريد الفلسطينيون على مختلف ميولهم السياسية محاسبة عهده، بل يعتبرونه الآن رمزهم التاريخي الأوحد. ومن غير العدل التشهير به، والحكم عليه بعد وفاته، وقد تبدلت الكثير من الوجوه والأوضاع الإدارية والسياسية في الأراضي المحتلة. وقد يكون بين مزاعم الضابط شيء من الصحة، من حيث تهم الفساد أو سوء استغلال السلطة، لكن كل القصة، الرجل والمكان والزمان، لا تملك شيئا من المصداقية. وعلى العكس مما كان يهدف إليه الضابط الفار، والإعلام الإسرائيلي المتحامل حديثا ضد السلطة الفلسطينية، فإن الرواية تعزز قيمة وقيادة محمود عباس، حيث يعرف عهده بأنه أعاد إلى السلطة احترامها، وكان أهم إنجازاته وقف نهر الفساد الموروث وفوضى تعدد السلطات، وأنهى تعدد المراكز الأمنية وأحدها جهاز المخابرات الذي كان ينتمي إليه الضابط صاحب الوثائق المزعومة أو المسروقة. وتحديدا خلال السنوات الثلاث الماضية عندما أوكل الرئيس عباس رئاسة الحكومة إلى سلام فياض قام بتنظيم السلطة، وتنظيفها، ومنح الأجهزة الأمنية استقلالية عن سلطات الأفراد من جانب، ووضعها تحت المحاسبة من جانب آخر.

وإذا كان هناك من يريد تشويه سمعة السلطة الفلسطينية في رام الله، سواء كانوا رموز المخابرات السابقين الذين أبعدوا بسبب فسادهم أو كثرة صراعاتهم، فإن محاولة إحراج السلطة الحالية ربما تعطيها دعاية إيجابية لأنها تتحدث عن فترة ما بين عشرة وخمسة عشر عاما مضت، لا عن المرحلة الحالية التي رغم فشلها السياسي في معالجة الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تميزت بإدارة حسنة السمعة على مستوى دولي أيضا.

ولا أتصور أن الزوبعة التي حاول أن يثيرها الضابط السابق شبانة، ومن كان وراءه إن كان هناك من دفعه إلى ذلك، تستحق الانفعال والملاحقة كما هدد مصدر فلسطيني رفيع المستوى. فالرجل لا يبدو متزنا من كلامه، حيث قال على التلفزيون الإسرائيلي، إن السلطة الفلسطينية رصدت مليون شيكل لمن يسلمها رأسه، وإنه يخشى أن يتم قتله، ولذلك فقد اشترى قبرا في مقبرة في القدس الشرقية حتى يدفن فيه في حالة نجاح الذين يطاردونه، في تصفيته! هراء لا يمكن أن يصدقه أحد خاصة بعد أن اتضح أن وثائقه قديمة لا تدين أحدا اليوم.

[email protected]