أم المخاطر

TT

الاهتمام الهائل بالبرنامج النووي الإيراني، سواء أكان سياسيا أم إعلاميا أو عسكريا، مسألة تحتاج إلى التوقف، خصوصا مع الإهمال الكامل للملف النووي الخطير والمثبت لكوريا الشمالية، وزعيمها المثير للجدل، أو إسرائيل الدولة الخارقة للمواثيق والمعاهدات، التي لديها أكثر من مفاعل نووي، وأكثر من 400 رأس نووي! وما يساعد على إبقاء الملف النووي متصدرا للعناوين هو الخطاب والتصرفات السياسية الإيرانية، وذلك بتدخلاتها المستمرة في شؤون الغير، وإصرار قادتها المتواصل على أن الثورة الإيرانية يجب أن تصدر إلى الخارج، وهذا في حد ذاته هدف لا يمكن إنكاره.

ومعروف أن هذا الأمر هو إعلان صريح عن التدخل بالقوة في سياسات الآخرين وزعزعة السوية الاجتماعية والأمنية في دول أخرى. وتفتقد إدارة أوباما، وكذلك المجتمع الغربي والأسرة الدولية، الجدارة والمصداقية باستمرار تركيزها حصريا على إيران، واعتبارها هي وحدها «محور الشر»، تلك التسمية التي اخترعها بوش الابن، وجماعة المحافظين الجدد التي كانت تحكم معه، متناسين أن هناك شرا أخطر وأهم، وهو إسرائيل. نعم، تظل إسرائيل هي الخطر الأكبر على منطقة الشرق الأوسط، وهي المحتلة للأراضي، وذات أكبر ترسانة من السلاح التقليدي والنووي والكيماوي، وهي المخالفة للقرارات الأمم المتحدة ولا عقوبات تمارس بحقها! من بالتالي سيقتنع بأي سياسة أو قرار اختياري لإيران من دون أن يكون الشيء نفسه لإسرائيل؟!

ليس هذا دفاعا عن إيران أبدا، فإيران بها حكم استبدادي مغلف باسم الدين، أو تفسير معين محدود للدين، ابتدع «نظرية» سياسية دينية اسمها «ولاية الفقيه»، وهي واقعيا تحولت إلى نظام ديكتاتوري أثار الفتن والانقسامات في أكثر من دولة وموقع في العالم العربي، ولكن لا بد أن يكون هناك معيار ومقياس للدولة الخارقة، وإسرائيل تظل هي القضية، وهي المشكلة، وهي الشر نفسه بدلا من التركيز على المحاور! إسرائيل اليوم تحكمها مجموعة لا تخفي عنصريتها، ولا تهديدها بقلب نظام هذه الدولة، أو ضرب تلك الدولة، تماما مثلما يفعل أي «أزعر» في الحارة، ومع ذلك توصف بالديمقراطية، وواحة وسط العالم العربي.

إسرائيل تبقى أساس المشكلات، وكلما ازدادت الفجوة الأخلاقية في التعامل معها ووضع تصرفاتها الطائشة والإرهابية تحت ميزان العدالة المنصف، استمرت حركات بكافة أشكالها في الظهور لتطالب بأخذ حقها بالقوة من بطش إسرائيل، وتمردها على المجتمع الدولي وعلى مؤسساته. برنامج إيران النووي مقلق وخطير، وهو في أيادي إدارة صاحبة سجل لا يطمئن، ولكن تبقى إسرائيل بتاريخها وحاضرها أم الكوارث وأم المخاطر. فلا ننس، ولعلنا نبقى بذلك مذكرين.

[email protected]