كيف تستطيع القوة الناعمة التركية مساعدة الناتو في أفغانستان

TT

وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والدول المجاورة لأفغانستان في مؤتمر لندن الأخير بشأن أفغانستان على تعزيز تنسيق الجهود المدنية والعسكرية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في هذا البلد، بحيث تستطيع القوات الأجنبية الانسحاب وتستطيع القوات الأفغانية الاضطلاع بمسؤولية الأمن. وعلى الجانب المدني، انصب التأكيد من جديد على الأهمية الأساسية لتعزيز وضع المؤسسات الأفغانية التي تستطيع جذب ولاء من يتخذون صف طالبان حاليا.

وباعتبارها صديقا موثوقا به على مر التاريخ للشعب الأفغاني، تمتلك تركيا، وحدها من بين أعضاء حلف الناتو، عنصر «القوة الناعمة» في الترسانة الخاصة بها، ويعد هذا العنصر مفتاحا لكسب قلوب وعقول السكان.

ويقال في أفغانستان إنه «لم يُقتل أي أفغاني برصاص تركي قط» وإنه «لم يخن أي أفغاني تدرب على أيدي الأتراك بلده مطلقا».

وساعد الأتراك الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني منذ أيام الأمير عبد الرحمن خان، وهو «الأمير الحديدي» الذي وحد البلاد إبان فترة حكمه التي امتدت من 1880 حتى 1901 وشرع في نهج التحديث. وكانت أفغانستان هي الدولة الثانية التي اعترفت بتركيا الحديثة عام 1921 بعد الاتحاد السوفياتي. وكان لتركيا الحديثة دور أساسي في إنشاء الأكاديمية العسكرية والمدرسة الطبية وجامعة كابل وكلية العلوم السياسية بها ومدرسة الموسيقى والخدمة الصحية العامة في أفغانستان.

وتقوم العلاقات الطيبة بين الأتراك والأفغان على ثلاثة عوامل، هي:

أولا: لا تحدنا حدود مشتركة، لذا ليس بيننا أي نزاع في هذا الشأن.

ثانيا: باعتبارها جمهورية صغيرة جاءت خلفا لإمبراطورية عظمى، لم تظهر تركيا قط أي طابع استعماري عند احتضانها للدولة الأفغانية الشابة، التي كانت قد حققت الاستقلال بعدما عانت كثيرا على أيدي الإمبراطوريات البريطانية والروسية. وتعاملت تركيا، التي كانت تمر بمرحلة التحديث الخاصة بها في ذلك الوقت، مع أفغانستان بمبدأ المساواة التامة. لم يكن لدينا مطلقا أجندة خاصة تجاه أفغانستان وكان لدينا علاقات مع جميع عناصر الدولة الأفغانية.

ثالثا: ندين بنفس الديانة، وهي الإسلام.

وبخلاف الكثير من باقي الأعضاء في المجتمع الدولي، لم تهمل تركيا أفغانستان في السنوات التي سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لكنها كانت تعمل في صمت.

وفي اتصالاتي مع طالبان أثناء هذه الأعوام، بصفتي المنسق الخاص لتركيا بشأن أفغانستان، كنا نتحدث بصراحة دون مجاملة أو تملق. وقد أخبرت قادة طالبان بصراحة أننا لن نعترف بالنظام الحاكم الخاص بهم. واعترفت تركيا بحكومة برهان الدين رباني، التي كانت تحكم جزءا صغيرا فقط من أفغانستان، وهو إقليم باداخشان ووادي بانشير، إلى أن حل محله حميد كرزاي بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بحركة طالبان من السلطة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وانتقدنا صراحة افتقار حركة طالبان للأهلية للحكم، وتربحها من تجارة الأفيون ودعمها للمنظمات الإرهابية مثل «القاعدة» ومعاملتها غير اللائقة لشعبها.

وعلى الرغم من كل هذا الانتقادات، منحتني طالبان ومنحت زملائي حرية دخول البلاد. كنت أحظى دائما بالاحترام وكنا قادرين على القيام بالعمل الإنساني في جميع المناطق التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان. وأخبرني قادة طالبان في مناسبات عدة أنه بقدر ما قد تغضبهم تصريحاتي، إلا أنني موضع ترحيب كمواطن تركي.

وكانت مشاركة تركيا داخل أفغانستان، التي تشكلت على أساس علاقتنا التاريخية مع جميع شرائح المجتمع الأفغاني، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر نوعا من «إظهار القوة الناعمة» على نحو متعمد إلى حد بعيد.

وكحليف وفي لالتزاماته في «الناتو»، أرسلت تركيا القوات إلى أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر شريطة ألا يشاركوا في العمليات القتالية. وعلى الرغم من الضغوط من جانب الحلفاء، تمسكت تركيا تماما بهذه السياسة. وكان حضورنا في أفغانستان، سواء العسكري أو المدني، قائما على معاملة الشعب بكل احترام وعلى أنهم بشر مثلنا، ولم يكن قائما على النظر إليهم من موقع السلطة أو الغطرسة الاستعمارية كقوة محتلة.

وصدرت أوامر صارمة للقوات التركية التي تم نشرها في كابل بمعاملة الأفغان باحترام. ولم تقتحم هذه القوات المنازل قط. وتتم معظم الدوريات سيرا على الأقدام وليس في عربات مدرعة. ولا تضع القوات نظارات شمسية وذلك للمحافظة على التواصل بالعيون مع الآخرين. وبالنسبة للقوات التركية، يعتبر مس النساء من المحظورات. ويخدم العاملون في المجال الطبي الشعب الأفغاني، فضلا عن القوات الخاصة بهم. لذا أسهمت القوات التركية في تحقيق الأمن في كابل، بل وأصبحت جزءا طبيعيا من الحياة اليومية الأفغانية.

وفي إقليم وارداك الحيوي، تدير تركيا أيضا اليوم فريق إعادة الإعمار في الإقليم، وهو الفريق الوحيد الذي يقوده مدنيون. وبشكل عام، يدير جنود حلف «الناتو» فرق إعادة الإعمار في الأقاليم. ومنذ عام 2006، أنفقت الحكومة التركية 20 مليون دولار في هذا الإقليم على تمويل أكاديمية لتدريب رجال الشرطة وبناء مدارس وترميم أحد المساجد وإقامة عيادة طبية.

وقال حليم فيداي، حاكم إقليم وراداك، «تُستقبل البرامج التركية استقبالا طيبا من جانب الأفغان الذين يقبلونها في الحال نظرا لأنها تعمل في إطار الثقافة الأفغانية، فهي تتعامل بحساسية مع القيم الأفغانية. لدينا علاقات طيبة للغاية وقوية وتاريخية مع تركيا».

وبكل وضوح، أثبتت تركيا مرة أخرى أنها أحد الفاعلين الموثوق بهم في أفغانستان في هذه الأيام مثلما كانت في الماضي. ونظرا لهذا النجاح، ستقيم الحكومة التركية في القريب العاجل فريقا لإعادة الإعمار في الأقاليم في أماكن أخرى في أفغانستان.

والدرس التركي في أفغانستان واضح: يتطلب كسب القلوب والعقول فهما واحتراما أفضل للقيم المحلية. ولن يؤدي توزيع علب الصودا مع أجواء استعمارية أي نتائج ملموسة.

ولأسباب كثيرة أخرى على هذه الشاكلة، التي تشمل علاقاتنا التاريخية في المنطقة والفهم العميق للقيم والثقافات المحلية، قد تكون تركيا واحدة من الدول القليلة، إن لم تكن الدولة الوحيدة، القادرة على التقريب بين أفغانستان وباكستان لتسوية الخلافات بينهما.

وأكد كرزاي في مؤتمر لندن على دور الوسيط الذي تلعبه تركيا، في متابعة للاجتماع الثلاثي بين تركيا وأفغانستان وباكستان الذي حضره في شهر يناير (كانون الثاني) في إسطنبول مع الباكستاني آصف زرداري. ولسوء الحظ، أضعف غياب الهند حتى الآن هذه المبادرة التركية. من الضروري جمع هذه الدول معا حول طاولة التفاوض لأن المشكلة الأفغانية لن تُحل ما لم تتوصل الهند وباكستان إلى تفاهم حول مصالحهما في أفغانستان.

وينبغي للمجتمع الدولي بصفة عامة، والحلفاء بصفة خاصة، تقديم الدعم لتركيا.

تستطيع عضوية تركيا في حلف الناتو وقدرة القوة الناعمة التاريخية إحداث اختلاف حاسم في أفغانستان. ويستطيع أولئك الذين يعرفهم الشعب الأفغاني ويثق بهم تاريخيا إظهار الطريق للذين يريدون حقا مساعدة الأفغان على النهوض من عثرته.

وإذا تمسك حلف الناتو بسياسة واضحة للانسحاب ضمن إطار زمني محدد وخصص المجتمع الدولي موارد كافية، يمكن إعادة أفغانستان إلى حظيرة المجتمع الدولي مرة أخرى. يذكر أن تركيا ساعدت الأفغان على الانضمام إلى العالم عندما كانت أفغانستان دولة شابة. ويمكنها فعل ذلك مرة أخرى اليوم.

* أيدمير إرمان: المنسق الخاص لتركيا بشأن أفغانستان خلال الفترة 1991 - 2003 وظل يعمل كمستشار في أفغانستان حتى تقاعده عن العمل بوزارة الشؤون الخارجية التركية

عام 2009.

خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»