قمة أوباما حول الرعاية الصحية: الوصفة المناسبة للمشرعين

TT

حاولت بجد، انطلاقا من رغبتي الحقيقية في تمرير مقترحات إصلاح الرعاية الصحية، التوصل إلى عبارة لطيفة أصف بها خطة الرئيس أوباما عقد قمة أخرى، بعد قرابة عام من عقد القمة الأولى. وكانت العبارة التالية أفضل ما توصلت إليه، ذلك أنها، حسب اعتقادي، لا تجرح أحدا: «الوصفة المناسبة للمشرعين».

عندما استغل الرئيس المقابلة التي أجرتها معه كيتي كوريك، من قناة «سي بي إس نيوز» للإعلان عن قمته المرتقبة، شرح وجهة نظره قائلا: «ما أود القيام به هو النظر في أفكار أعضاء الحزب الجمهوري.. بمعنى أرغب في مناقشتهم، على سبيل المثال، بشأن كيف يودون تقليص التكاليف، وكيف ينوون إصلاح سوق التأمين بحيث يتمكن الأفراد أصحاب الظروف القائمة سلفا الحصول على رعاية صحية؟ وكيف يرغبون في ضمان أن الـ30 مليون شخص الذين لا يحظون بالرعاية الصحية سينالونها؟ وإذا ما تمكنا من المرور خطوة خطوة عبر سلسلة من مثل هذه القضايا والتوصل إلى اتفاق في الرأي، لن يكون هناك ما يمنع، من الناحية الإجرائية، التحرك بوتيرة أسرع عما كان عليه الحال العام الماضي».

بالتأكيد تشبه هذه الصورة ما حدث في فيلم «ديف»، عندما قام الرئيس المزيف وصديقه المحاسب بشحذ قوتهما والشروع في تسوية المسائل العالقة المتعلقة بالميزانية، لكن يكمن الاختلاف هذه المرة أن ذلك من المنتظر أن يحدث في غضون نصف يوم داخل «بلير هاوس» وسيجري نقله حيا عبر شاشات التلفزيون.

وعند النظر إلى هذا القول بصورة سطحية، نجد أنه يقوم على عدد من الافتراضات: أولها: أن مثل هذه المناقشات لم تجر العام الماضي، الأمر الذي يتعارض مع التأكيدات الصادرة عن الحزب الديمقراطي حول أنهم قبلوا كثيرا من الأفكار التي اقترحها أعضاء من الحزب الجمهوري. ثانيا: أن الجمهوريين كانوا محقين في ادعائهم أنه جرى إقصاؤهم عن عملية «صنع المقانق» (أي صنع القرار)، مما يشكل تجاهلا للمفاوضات التي جرت داخل اللجنة المعنية بالقضايا المالية داخل مجلس الشيوخ (عصبة الستة) طيلة أسابيع لا حصر لها.

إلا أن تصريحات الرئيس ليس المقصود من ورائها التعامل مع معناها الظاهري. وكما لو أن تجنب الرئيس الرد على سؤال كوريك حول مدى استعداده لـ«البدء من المربع واحد» لم يكن واضحا بما يكفي، خرج مسؤولو البيت الأبيض ليؤكدوا أن الرئيس لا يتراجع عن القرارات التي جرى تمريرها بالفعل من قبل مجلسي النواب والشيوخ. ينوي أوباما الجلوس على طاولة التفاوض مصطحبا معه خطة صاغها الحزب الديمقراطي كنقطة للانطلاق في التفاوض. لكن بالطبع باستطاعة الجمهوريين المشاركة في النقاش حينما يحلو لهم ذلك.

ليس بوسعنا وصف هذا الأمر بـ«كابوكي» لأن ذلك سيعد بمثابة إهانة لهذا الفن الياباني. رغم أنني لست معجبة بقيادات الحزب الجمهوري داخل مجلس النواب، فإنه في مثل هذه الظروف من الصعب لوم زعيم الأقلية جون بوهنر، من ولاية أوهايو، وحامل السوط بين الأقلية إريك كانتور، من ولاية فرجينيا، لتلميحهما بأن هناك أمورا أفضل يمكن القيام بها عن العمل كديكورات مسرحية في أيدي الديمقراطيين.

بوجه عام، يساورني الشك حيال جدوى القمة. ليس هناك ما يضير في عقد قمم للإعلان عن والتعريف بفكرة معينة ـ مثل تلك التي عقدتها الإدارة مارس (آذار) الماضي ـ لكن الوقت المناسب لهذا الأمر ولى. ورغم الضجة الكبيرة التي أثارتها الإدارة حول القمة التي خططت لعقدها بشأن مسؤوليتها المالية فبراير (شباط) الماضي، سرعان ما تخلت عن بذل مجهود جاد بشأنها.

أما القمم الرامية لرسم خطة محددة، فتعد واعدة لكنها تتطلب وجود استعداد لدى الجانبين المشاركين للتوصل إلى اتفاق ومساحة مناسبة لتنفيذ الاتفاق. وترد على خاطري الآن صورة قيادات الكونغرس وهي مجتمعة خلف الأبواب المغلقة في «قاعدة أندروز التابعة للقوات الجوية». ولا يكمن خطأ الرئيس في الفشل في الالتزام بتعهده بنقل وقائع المفاوضات حول قضية الرعاية الصحية عبر شاشات التلفزيون، وإنما لإطلاقه مثل هذا الوعد المشكوك فيه من البداية.

وعليه، فإن عقد قمة تتجاوز مجرد استعراض مسرحي يستلزم من أوباما التخلي عن نهجه السياسي المعتاد. إن القاعدة الرئيسة التي يقوم عليها التفاوض السياسي هي عدم الإقدام على تقديم شيء مقابل لا شيء. لكن ماذا لو قدم أوباما للجمهوريين بعض الحوافز. لقد أشار أوباما لما يعرف بالطب الدفاعي (الذي يرمي لتجنيب الطبيب إمكانية التعرض للمقاضاة في المستقبل، وليس الحفاظ على صحة المريض) باعتباره عاملا يسهم في زيادة النفقات الصحية. إذا كانت هذه «قضية خطيرة»، مثلما أخبر أوباما الأطباء يونيو (حزيران) الماضي، فلماذا لا تجري إضافتها إلى الخطط الديمقراطية القائمة.

وربما يتساءل بعض مسؤولي البيت الأبيض حول مدى جدوى مثل هذه الخطوة في تحفيز الجمهوريين على التعاون. لكنني أعتقد أنها رغم عدم تحفيزها للجمهوريين بأعداد كبيرة، فإنها ستشكل دافعا جيدا لبعضهم للتعاون. وسيظهر ذلك أمام الجميع استعداد الحزب الديمقراطي الالتزام بمسؤولياته بتحقيق الصالح العام، وعدم استعداد الحزب الجمهوري، حال رفضه، للتوصل إلى تسوية.

* خدمة «واشنطن بوست»