رائد ثقافي في طابور الضمان الاجتماعي!

TT

هل يعقل أن ينتهي الحال برائد أدب الأطفال في السعودية والعالم العربي يعقوب إسحاق - أو «بابا يعقوب» كما نناديه - براتب شهري قدره 1264 ريالا شهريا من الضمان الاجتماعي أسوة بالأرامل والمقعدين والمعدمين، وهو الذي قدم لأبنائنا أكثر من 300 كتاب في مختلف فنون أدب الأطفال ومجالاته؟!

هل يعقل أن نقف على مقاعد «المتفرجين» في مواجهة شيخوخة رجل أفنى شبابه في تعليم الأجيال وتثقيفهم وتأديبهم، ولم يجن من كل ما قدم سوى قبض الريح؟!

هل نترك مثل هذا الرائد العلم في عمره السبعيني وحيدا يواجه «بهدلة» الأيام، فيعيش معاناة البحث عن الغذاء والدواء والسكن وتوفير لقمة العيش؟!

لو أن يعقوب يعيش في مجتمع يقدر الثقافة، وعطاءات الرواد، لنعم بحياة يغبطه عليها الآخرون، وهو الذي قدم وحده أكثر مما قدمته وتقدمه منظومة من المؤسسات الثقافية مجتمعة، ولو أننا نبادل عطاءه بالوفاء لما احتاج هذا الرمز الشامخ للوقوف أمام مكتب الضمان بحثا عن فتات.

أتذكره حينما كنا على مقاعد الدراسة زميلا جادا على نحو خاص، وكأنه يعد نفسه لمسؤولية أكبر من المسؤولية التي نعد أنفسنا من أجلها، كان الأول على دفعته لسنوات، يأتي كل صباح من أطراف حي الهنداية إلى مدرسة الفلاح في الطرف الآخر من مدينة جدة، وهو يحمل حلمه الأخضر في غد أكثر إنصافا للنابغين، ومضت قوافل العمر، فلا الذي جد وجد، ولا الذي زرع حصد.

في كل مرة ألتقي به أجدني أعتب على الدنيا التي لم تنصف مثله، وهو الذي مذ قرأ صغيرا أن الخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين، التزم ألا يسلك في حياته إلا الدرب المستقيم، لا يأكل إلا من رغيف واحد، هو رغيف الكادحين. إنه والصبر أشبه بتوأمين متلازمين، فهو يضحك رغم الفقر، يضحك رغم الحاجة، يضحك رغم الألم، ودائما يشرع مراكبه صوب موانئ الغد، وهذا الغد العصي ظل صعب المنال، فلم يأت الغد، ولم ينخر اليأس مجداف هذا الرجل الذي يواصل الإبحار.

اليوم في بلادنا وزارة للثقافة، على رأسها وزير مثقف وإنسان، وأتخيل أن إنهاء معاناة هذا الرائد الثقافي الكبير جزء من مسؤولية هذه الوزارة، فالوقوف معه من شأنه أن يعمق درجات الثقة بين الوزارة والمثقفين، فبابا يعقوب يمثل رمزا من رموز الثقافة، وعلما من أعلام المثقفين.

[email protected]