لماذا تستكثرون على السودانيين الضحك؟!

TT

قامت الدنيا ولم تقعد لأن السودانيين في منطقة الخوي شمال كردفان أصيبوا فجأة بنوبة ضحك شملت نحو 80 شخصا، وذهب الكل يسهم في البحث عن سبب: الصحافة، القنوات الفضائية، علماء النفس، وكالات الأنباء، حتى وزارة الصحة السودانية، كأن الكل يستكثر الفرحة التي داهمت إخواننا السودانيين على الضفة الأخرى من البحر، وجعلتهم يضحكون!

وفي تقديري أن السؤال الأجدى طرحه: لماذا لا يضحك السودانيون؟ إن حدث يوما وتوقفوا عن الضحك، فالسوداني مخلوق مرح بطبعه، ضاحك السن، عالي المزاج، متفائل بما ستأتي به الأيام، وأذكر أنني التقيت ذات زمن بعيد في مدينة أسمرا عددا من وجهاء السودان، منهم الوزير، وأستاذ الجامعة، والفنان، غادروا مدينتهم التي تُلزِمهم كمسؤولين أنماطا متكلفة من السلوك، وجاءوا إلى أسمرا ليكونوا على سجيتهم، وفطرتهم، وعفويتهم، ليضحكوا ولو لبضعة أيام، وما زلت أذكر ذلك الوزير الذي تولى قيادة العربة «الكاروسة» كبديل عن الحوذي، وراح يطلق الزمام للحصان الذي يجر العربة ليذهب بنا حيث شاء دون تدخُّل منه، فطاف بنا الحصان في تلك الليلة على مختلف المقاهي والدروب التي اعتادها، مستمتعا بحرية لم يتعودها مع الحوذي، وفي كل مرة يوصلنا الحصان إلى مكان مناسب يصيح الوزير مؤكدا فلسفته قائلا: «أن يقودك الحصان أفضل في كل الأحوال من أن تقوده»، وكان الفنان الكبير «جدا» يحتضن عوده على ظهر «الكاروسة» مطلقا أجمل الأغاني وأعذب الألحان.

وقد شهدنا في مدينة جدة عددا كبيرا من إخواننا السودانيين كمعلمين، ومترجمين، وموظفين، ولاعبي كرة، وما زلت أذكر معلمنا السوداني في الصف الثاني المتوسط، حينما كان يترجم لنا إحدى القطع من الإنجليزية، فكانت الترجمة تتمّ على ثلاث مراحل: الأولى من الإنجليزية إلى السودانية المحلية، كأن يقول بلهجته المحببة: «الولد داير يكورك في رأس الزول»، ثم يقوم بعد ذلك بترجمة المفردات المحلية السودانية مثل «داير» و«يكورك» و«زول» إلى لهجتنا السعودية، وكل ذلك كان يتم في أجواء جميلة من الضحك والمرح والاحترام لمعلمنا خفيف الظل، لطيف المعشر. وسبق أن كتبت لكم عن وصفة السودانيين السحرية للشهرة التي تتلخص في قولهم: «يا تدق كَفَر، يا تعزف وتر»، أي أن أقرب طريقين للشهرة أن تلعب كرة قدم (كفَر)، أو تعزف على الآلات الموسيقية، وكيف أنني التزمت بهذه النصيحة السودانية عشرين سنة من عمري دون أن أفلح في أن أكون لاعب كرة أو موسيقيا، وسامح الله إخواننا السودانيين على هذه النصيحة التي لم أجنِ من اتباعها سوى قبض الريح.

ولإخواننا في شمال كردفان نقول: اضحكوا واملأوا الدنيا قهقهة، حماكم الله من تدخلات وزارة الصحة وفلاسفة النكد.