طي قضية اغتيال الحريري

TT

هل شيع اللبنانيون، أخيرا، قضية رفيق الحريري إلى مثواها الأخير؟ مرت الذكرى، أمس، حدثا صغيرا، رغم الاحتفال، والإعلام، وخمسين ألف متظاهر في وسط بيروت.

أحداث كبرى وقعت في الأشهر القليلة الماضية، فرضت نفسها، لتختتم مرحلة أزمة الاغتيالات، من زيارة سعد الحريري المعني الأول بالقضية، إلى تبادل الزيارات بين قيادتي السعودية وسورية، وتشكيل الحكومة، ونهاية المعارضة العبثية.

المشكلة اللبنانية الداخلية، والمشكلات اللبنانية الخارجية، لم تنته ولن تختفي، وإن هدأت لبعض الوقت، وإن تبدلت المحاور جزئيا. النفوذ السوري، واللاجئون الفلسطينيون، وسلاح حزب الله، قضايا خطيرة لا يمكن أن يهال التراب عليها فقط لأن الحريري الابن قبِل بزيارة دمشق لقاء رئاسة الحكومة، وجنبلاط صار يتحدث الآن عن مواجهة إسرائيل، مقابل أن تستقبله دمشق.

دمشق تريد أن تكون طرفا دائما في اللعبة اللبنانية، وحزب الله لن يطيق صبرا حتى يورط لبنان في حرب أخرى مع إسرائيل، بسبب ارتباطاته الإيرانية، والتنازع بين القيادات المسيحية سيرافق كل أزمة. هذا ما يجعل لبنان قضية مفتوحة، وإن أدخلت قضية اغتيال الحريري في الثلاجة. ومن المحزن جدا أن تنتهي هذه القضية الأخلاقية، لا السياسية فقط، أعني محاكمة قتلة الحريري وبقية المغدورين، هكذا حتى من دون أن تبدأ جلسة محاكمة واحدة على الأقل. لقد وقف العالم بقوة ضد ما حدث في البوسنة والهرسك، ثم كوسوفو، وليبيريا، لكن عندما ترتكب المذابح داخل المنطقة العربية فلا أحد يبالي، بل تبرر الجرائم بأنها جزء من الثقافة العربية، كما قال مرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، معلقا على القمع والظلم، موضحا أن هذه الجرائم جزء من الثقافة المحلية، وبالتالي لا يستحق الأمر من العالم التدخل ولا الاحتجاج.

اغتيال الحريري وعشرات من القياديين اللبنانيين مر ضمن مصالحات محلية.. مر كما مرت الحرب الأهلية اللبنانية، واعتقد كثيرون أن لبنان مقبل على عهد جديد يرسي أسس المصالحة الدائمة، وهذا وهم يعرفه شركاء الساحة السياسة، ويدركه المواطن اللبناني العادي، الذي يبحث عن تأشيرة خروج في أول مناسبة تلوح له، اعتقادا منه أنها مجرد هدنة أخرى، لن يمر وقت طويل حتى تعود حرب أخرى.

مثلت قضية اغتيال الحريري فرصة لتأسيس بلد يحتكم إلى قوانينه السياسية وأصوات أهله، ويضع المجتمع الدولي حكما ورقيبا. لكن، وبكل أسف، فاتت الفرصة. لم يكن المطلوب محاكمة سورية، ولا مطاردة حزب الله، ولا الاستعانة بأطراف دولية لفرض عقوبات على مرتكبي الجرائم، بل جعل المحاكمة درسا للجميع. إن الجرائم التي ارتكبت لن يسمح بأن تمر ثانية بلا عقاب، وإن الخلافات السياسية يمكن حسمها وفق الطرائق الشرعية، وقدرة حزب الله على تخزين السلاح لا تعطيه الحق في أن يرفع صوته على غيره من الفرقاء السياسيين، أو الاستقواء بالسوريين، أو الإيرانيين، أو السعوديين، أو غيرهم. كان للمحاكمة أن تكون فاصلة بين لبنان الفوضى ولبنان القانون. كان لها أن ترسم خطوطا حمراء، تحول دون استخدام السلاح مهما كان الخلاف. بل للأسف، المحكمة أخرست، والقضية أغلقت، والمصالحة على الطريقة العربية أنجزت!

[email protected]