الحرس الثوري: ثورة ثم ثروة فاحتكار دولة

TT

يحتفل الحرس الثوري وحكومته في إيران بذكرى الثورة الإيرانية، وذلك بمناسبة مرور 31 عاما على قدوم الخميني من المنفى معلنا قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي خضم هذه الأجواء الاحتفالية، يتساءل المواطن الإيراني عن ماذا قدمت له الثورة طوال 31 سنة الماضية؟ كما يتساءل علماء الاقتصاد والسياسة الإيرانيون منهم خاصة، عن معايير النجاحات التي يتحدث عنها الحرس الثوري وحكومته، في مجال الاقتصاد والسياسة وغيرها؟ أسئلة مشروعة تأتي من قلب المجتمع الإيراني، ومن رحمه الذي يرى ثروات بلاده تهدر في بناء ترسانة حربية وفي سباق مع الزمن لإنتاج قنبلة نووية، ودعم لا محدود لحالات التمرد هنا وهناك، في حين أن الشعوب الإيرانية بكافة طوائفها تعاني من الحرمان والفقر بسبب ترنح اقتصاد بلدها لفشل السياسات الاقتصادية والرؤية السياسية فيها.

فإيران تمتلك احتياطا من النفط يمثل 12% من احتياط العالم وهي رابع دولة في إنتاجه على المستوى العالمي، كما تمتلك احتياطيا من الغاز الطبيعي يقدر بنحو 27 مليون متر مكعب خلاف الثروات الطبيعية الأخرى، فما هي أسباب هذا الفشل وهذه الحالة الاقتصادية المأساوية للشعوب الإيرانية؟.

يجيب عن ذلك عالم الاقتصاد الإيراني البروفسور جاويد صالحي أصفهاني في مقال له نشر في مجلة «السياسات الخارجية» (الأميركية) (foreign policy) في العدد الخاص بشهر أغسطس (آب) من عام 2009 الماضي تحدث فيه عن الأسباب التي أسهمت في أن تحصل إيران على مرتبة متقدمة في ترتيب الدول القريبة من الفشل، وذلك في تقرير عام 2009 م للدول الفاشلة والذي وضع الصومال في المرتبة الأولى والنرويج في المرتبة الأخيرة، حيث احتلت إيران المرتبة 38 مقارنة بالمرتبة 49 للعام 2008م، أي إنها تقدمت خلال عام واحد 11 مرتبة نحو الفشل.

ويرى أصفهاني أن أحد الأسباب الرئيسية لوصول إيران لهذا المستوى هو سياسات أحمدي نجاد الاقتصادية، وخاصة سياسة (العدالة الاجتماعية) والتي رفع شعارها تحت مسمى (توزيع الثروة النفطية على المواطنين بطريقة أكثر عدلا) وذلك من خلال دعم الأسعار، فقد أسهمت هذه السياسة في رأي الاقتصاديين إلى ارتفاع معدلات التضخم، حيث ارتفعت من 15% إلى 30% مما يعني أن المستفيد الأكبر من سياسة دعم الأسعار هذه هم الأغنياء لأن استهلاكهم أكبر.

كما بين مركز الإحصاءات في إيران أن معدل البطالة قد وصل في عام 2008م إلى 20% أي بحساب الفئات العمرية، فكل 3 من 4 إيرانيين من تحت سن 30 عاما عاطلون عن العمل.

وبالرغم من شعار توزيع الثروة الذي أطلقه أحمدي نجاد، فإن واقع الحال في إيران قد ركز الثروة في أيدي القلة، ففي خلال سنتين فقط من تولي أحمدي نجاد الحكم في 2005م - 2007م تضاعف الدخل لـ 20% فقط من الشعب الإيراني، وثرواته إلى أكثر من أربعة أضعاف، (وتمثل هذه النسبة من السكان الطبقة العليا المكونة من أفراد الحرس الثوري وأجهزة الأمن الأخرى وبعض الملالي وتجار البازار).

وفي المقابل لهذا التركيز للثروة في أيدي القلة، تُبين الإحصاءات الرسمية الإيرانية أن عدد الفقراء في إيران قد بلغ أكثر من 14 مليون شخص، حسب تقرير البنك المركزي الإيراني.

إن القاعدة الاقتصادية الكبيرة التي تملكها إيران من ثروات طبيعية وبشرية وموقع استراتيجي يجعلها مشروع قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، شريطة أن تتخلى عن سياساتها الاقتصادية الخاطئة، وتحرير اقتصادها وذلك من خلال إعادة الدور التاريخي للبازار في الحياة الاقتصادية، بعيدا عن احتكار وسيطرة الحرس الثوري، ليصبح بازارا جديدا ومؤثرا في رسم السياسات الاقتصادية للبلاد (قطاع خاص قوي غير معسكر أو معمم) ليصبح هو الجسر بين إيران والعالم الخارجي.

كما يتطلب أيضا، من تجار البازار تنظيم أنفسهم بالخروج عن النمط التقليدي للبازار، والتعامل مع العالم من منطلقات رجال أعمال دوليين، لا تجار بازار محليين، من خلال المساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد، وتبني مشاريع تسهم في تنمية اقتصاد الدولة.

فهل يتحقق حلم الشعوب الإيرانية بمختلف طوائفها وأعراقها، بأن تصبح إيران قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، من خلال تحرير اقتصادها، وتوجيه الموارد المالية للبلاد نحو التنمية الاقتصادية، بدلا من تجويع شعبها، وهدر ثرواتها في بناء ترسانة أسلحة ضخمة هدفها حماية ميليشيا الحرس الثوري فقط وإحكام سيطرتها على البلاد..!! أم أن الحرس الثوري بعقليته الميلشيوية، غير القابلة للانضباط السياسي واحتكاره للاقتصاد يمثل العقبة الرئيسة أمام الشعوب الإيرانية لتحقيق ذلك الحلم؟