المقتلة الكبرى

TT

قتلت الإنترنت الحبر والورق والجريدة والكتاب. وقتل التلفزيون الراديو والمساء ومشهد القمر والغروب. وقتلت المطبعة مهنة الخطاطين. وقتل بيكاسو عصور الرسم العظيم. وقتلت المدرسة الجهل حيثما وجدت. وقتل الأسبرين الآلام الصغيرة. وقتلت الأمراض نفسها بالمضادات الحيوية. وقتل الكتاب السأم والملل والوحدة. وقتل المغنون الجدد الشعر والموسيقى والطرب والنغم والمعنى والمغنى والكمان والعود والبزق والقانون والأكورديون وعبقريات سيد درويش ومحمد القصبجي وروعة «رق الحبيب». وقتلوا الذوق. وقتلوا الآه. وقتلوا 37 وترا في سلم المشاعر. أو 47. أو 7533.

وقتل السوفيات الشيوعية. والشيوعية قتلت الاشتراكية. والبورصة قتلت الرأسمالية. والسرعة قتلت التأمل. والمدن قتلت القرى. والجشع قتل الكرامة. والسياسة قتلت الصدق والحقيقة والوفاء والإخاء والمحبة. والوصولية قتلت الوصول. والعرب قتلوا العروبة. قابيل قتل هابيل، صباح هذا اليوم. وصباح غد. أفريقيا قتلت الاستعمار ثم قتلت الحرية ثم قتلت الأمل ثم قتلت أطفالها ثم حزت أعناق نسائها ثم قطعت أيدي أولادها. وجورج تايلور يقول إنه بريء. وجوزيف كابيلا يستكمل إرث ديزريه لوران كابيلا: يتناول طعام الفطور على الشرفة ليقرأ كم من الملايين قتلت قبائل الهوتو حتى الآن، في رواندا وفي بوروندي وعند فخامته في الكونغو.

عالم من القتلة. وعالم من المقتولين. في الأشياء وفي الجماد وفي البشر. نيل أرمسترونغ قتل لنا سحر القمر وعاد ببضعة حجارة لا تنفع أحدا. أب يمني قتل طفله لأن وحشا «بشريا» اعتدى عليه. العرب قتلوا الوحدة بالأبواق. والآن يقتلون بها الألفة. والفاكس قتل التلكس، الحمد لله. والإنترنت قتل البريد. والجوال قتل فن الرسائل وأدب المراسلات ولغة البوح. والبطاقة البلاستيكية قتلت فن طباعة النقد ولوحات الأوراق القديمة. والكمبيوتر قتل الآلة الطابعة. والأسطوانة CD ألغت الأشرطة. وآلة الملاحة في السيارات قتلت صناعة الخرائط. والصراف الآلي قتل متعة التحدث إلى الصراف البشري. والكهرباء قتلت القنديل الساحر في مسرحيات الرحابنة. ودور السينما قتلت السمر وضوء القمر على طريق العين. إسرائيل قتلت فلسطين والفلسطينيون قتلوا أمهم، الوحدة. الأميركيون قتلوا بغداد والعرب قتلوا العراق. والجماهير قتلت الجمهوريات والدساتير والقوانين. قتل الأفارقة من الأفارقة بالسواطير أضعاف ما قتل الاستعمار بالطائرات. وقتل اللبنانيون 200 ألف في حرب الوحدة وفقدوا 3 شهداء في حرب الاستقلال. وفقد الجزائريون مليون شهيد في حرب الاستقلال وربع مليون في حرب «الإنقاذ». والبلادة وانعدام الموهبة قتلت الألفة. والغلاظة قتلت خفة الروح. وسلامة قلوبكم من كل شر.