تراجع أوباما عن الساحة العالمية

TT

هل ينسحب أوباما الجريح من الساحة العالمية؟

ربما يُلتمس العذر للأوروبيين إن حسبوا ذلك يقع، فقد أعلن البيت الأبيض مؤخرا أن الرئيس الأميركي لن يحضر قمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المخطط لعقدها في مدريد خلال شهر مايو (أيار)، وهو ما يدفع إلى إلغائها. كما لم يتمكن المضيف، رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، من الاجتماع بأوباما أو نائب الرئيس بايدن خلال زيارة استغرقت يومين إلى واشنطن.

وزعم ثاباتيرو أنه «لا مشكلة» بالنسبة إليه في الرفض، ولكن لم يكن ذلك رد الفعل داخل بلده. وقالت صحيفة «الباييس» الإسبانية: «أوباما يدير ظهره إلى أوروبا»، وعلقت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية قائلة: «عدم ظهور أوباما يخيب آمال الأوروبيين».

ولدى الإسرائيليين والفلسطينيين من الأسباب ما يدفعهم إلى التعجب، فخلال خطاب حالة الاتحاد الذي أدلى به أوباما أمام الكونغرس على مدار 70 دقيقة لم يذكر إسرائيل أو عملية السلام في الشرق الأوسط. وقبيل إلقائه الخطاب، ذكر أوباما لشخص أجرى معه مقابلة أنه بالغ في تقديره لقدرة إدارته على استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين المعاندين والفلسطينيين.

وبعد ذلك، هناك القادة داخل العراق. وقد قام اثنان منهم، الرئيس الإقليمي الكردي مسعود بارزاني، ونائب الرئيس طارق الهاشمي، وهو شخصية بارزة بين الأقلية السنية، بزيارة واشنطن أخيرا، وقال الاثنان لي إنهما يشعران بالقلق الشديد بشأن ما إن كانت إدارة أوباما ستظل ملتزمة بتحقيق الاستقرار والديمقراطية داخل العراق. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الكلام العلني لأوباما ركز على انسحاب القوات الأميركية بدلا من أن يتناول أي رؤى تتعلق بمستقبل البلاد. وقال الهاشمي: «أفهم أنكم تركزون كلية في الوقت الحالي على انسحاب القوات بحلول 2011»، «ولكن، ماذا سوف يحدث بعد ذلك؟»

وعليه، هل كل هؤلاء الأشخاص على حق في الشعور بالقلق؟ وهل يتعامل أوباما مع المشكلات السياسية في الداخل بتحويل ظهره عن الشؤون الخارجية؟

يمكن أن يقول البيت الأبيض إنه لا يفعل ذلك. وعلى الرغم من أنه لم يتطرق كثيرا إلى السياسة الخارجية في خطاب حالة الاتحاد، وركز بصورة واضحة على الشؤون الداخلية منذ انتخاب سكوت براون لمجلس الشيوخ، فلا يزال المنحى الدبلوماسي لأوباما غامضا نوعا ما. ومبعوثوه مشغولون حاليا في السعي من أجل تجميع الأصوات من أجل قرار يصدره مجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات على إيران. وأمام أوباما زيارة إلى أستراليا وإندونيسيا خلال الشهر المقبل، ويجري التحضير لقمة بخصوص نزع السلاح تعقد داخل واشنطن في أبريل (نيسان). وتقترب معاهدة أسلحة استراتيجية جديدة مع روسيا من الإتمام.

وداخل الشرق الأوسط، يعمل المبعوث جورج ميتشل بجد على إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالحديث بعضهم مع بعض.

وبالنسبة للعراق، كان بايدن هناك قبل أسبوعين، حيث كان يعمل من أجل تجنب أزمة ربما تقوض من الانتخابات المقبلة، وكانت هذه هي الزيارة الثانية له في الأشهر الثلاثة الماضية.

ليس من الخطأ إعادة النظر في إجراء رئاسي، ويكون ذلك مقنعا بصورة جزئية، كما فعل على الصعيد الداخلي، وقد ركز أوباما كثيرا على سياسته الخارجية خلال العام الأول. ولا توجد فرص جيدة لانعقاد سلام مبكر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولذا فإن الرئيس على حق في أن يترك مبعوثا يتولى ذلك. وقام أوباما بزيارة أوروبا ست مرات خلال عام 2009، وكان ذلك في الأغلب من أجل اجتماعات كانت محصلتها نتائج قليلة. ويحاول مستشاروه استخدام وقت سفره بحكمة أفضل، خلال العام الحالي.

ولكن، ثمة سمة مقلقة في تراجع أوباما. فليس ثاباتيرو فقط الوحيد الذي تراجعت العلاقة معه في ظل الإدارة الحالية، فعلى عكس معظم السابقين، لم يكوِّن أوباما علاقات قوية مع أي من القادة الأوروبيين. وبدلا من ذلك أحس رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بالازدراء من جانب أوباما. وهناك توتر في العلاقات بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على أفضل الأحوال. واعتاد الرئيس السابق جورج دبليو بوش أن يعقد لقاءات عبر الفيديو كونفرانس بصورة دورية مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وفي المقابل تحدث أوباما معهم في عدد قليل من المناسبات.

لا تزال شعبية أوباما الشخصية داخل مناطق كثيرة في الكرة الأرضية قوية، وقد قال ثاباتيرو لمحرر «واشنطن بوست» إنه «داخل إسبانيا كانت انتخابات (أوباما) ينظر إليها كانتخابات داخل بلدنا». ولكن خلال العام الأول من ولايته، لم يوجد الرئيس الجديد العلاقة نفسها مع قادة الدول الحليفة الرئيسية. وحاليا نجده يقلل من وقته معهم. وربما كما قال ثاباتيرو بطريقة دبلوماسية «لا مشكلة في ذلك». ولكنني أشك في أن ذلك حقا ما فكر فيه الإسباني.

* خدمة

«واشنطن بوست»