الفساد.. وصراع رام الله وغزة

TT

القرار الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف رئيس ديوانه، محور القضية التي فجرها ضابط المخابرات الفلسطيني المنشق عبر التلفزيون الإسرائيلي عن مخالفات وفساد بين مسؤولين في السلطة، هو القرار الصحيح، مع الأخذ في الاعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذه هي مهمة لجنة تقصي الحقائق التي شكلت والمفترض أن تقدم تقريرها خلال ثلاثة أسابيع.

واقعيا لا يمكن تفادي الضرر السياسي الذي ألحقته هذه القضية بالسلطة بعد أن فجرتها القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، أيا كانت النتيجة التي ستخرج بها لجنة تقصي الحقائق، لكن حجم الضرر يمكن تقليصه إلى أدنى حد من خلال تحقيق شفاف يقنع الرأي العام الفلسطيني بأن هناك محاسبة سواء للمسؤول الذي أثير اسمه في هذه القضية أو مسؤولين آخرين يثبت تورطهم في قضايا استنفاع شخصي أو أي نوع من المخالفات.

فالفساد أو استغلال النفوذ جزء من الظاهرة الإنسانية التي تصاحب امتلاك القدرة أو السلطات، وهي موجودة في كل المجتمعات تقريبا، ولذلك ابتكرت أنظمة محاسبة للحد من الظاهرة وعقاب المتورطين فيها، وهي أنظمة ابتكرت أصلا لحماية العقد الاجتماعي وأنظمة الحكم لأن أخطر ما في ترك الحبل على الغارب فيها هو افتقاد ثقة الناس، خاصة في الحالة الفلسطينية إذا كانت السلطة وليدة، وما زالت تسعى إلى إنشاء الدولة وتواجه تحديا من سلطة أخرى منافسة استولت على غزة بالقوة وتطرح نفسها بديلا.

بالطبع فإن هذه القضية لا تساعد السلطة الفلسطينية الشرعية في رام الله في معركتها الإعلامية لكسب الرأي العام الفلسطيني ضد حكومة حماس في غزة، والطبيعي أن يستغل أنصار حماس مثل هذه القضايا للتدليل على أن خصومهم لديهم فساد، إلى آخر هذه الاتهامات التي سبق أن طرحت في غزة قبل أن يحدث الانقلاب.

لكن على الجانب الآخر فإن الفارق بين غزة ورام الله أن الثانية فيها هامش من الحريات يسمح بتفجير مثل هذه القضايا، وطرحها علانية، بينما يبدو الحكم في غزة أشبه بأنظمة الحكومات الشيوعية في زمن المعسكرين والحرب الباردة، حينما كان لا يسمح لأحد بإصدار أي انتقاد، وتخفى المشاكل وقضايا الفساد تحت السجادة بدون أن يدري أحد عنها شيئا.

فليس خافيا أن غزة أصبحت تشهد قيودا مشددة في مجال الحريات العامة والإعلام وتغطيات الصحافيين للأحداث وأصبحت منطقة مغلقة تقريبا على الصحافيين الأجانب، واعتقال صحافي بريطاني أمس يقوم بإعداد برنامج وثائقي دليل على ذلك. وهناك الكثير من القصص التي تسربت عن التحرش بالمعارضين أو من لديهم وجهات نظر معارضة أو انتقادية لطريقة تسيير الأمور. وانعكس ذلك على انخفاض شعبية حماس في غزة كما دل استطلاع الرأي الدولي الأخير الذي نشر لمركز «بيو»، فشعبية الحركة في القطاع أقل من الضفة الغربية، بمعنى أن الذين جربوها أصبحوا غير متحمسين لها، بينما الذين لم يجربوها لديهم وجهات نظر أفضل عنها، لأنهم لم يجربوا حكمها.

وعودة إلى الموضوع الأصلي المتعلق بالفساد، فإنه مهما يكن الضرر الذي ألحقه بالسلطة فإن طريقة معالجته والحساب فيه ودرجة الشفافية هي التي ستؤدي إلى ثقة الناس، وكسب الرأي العام.