اختطاف أطفال هايتي ليس عملا خيريا

TT

ربما يستحق أي شخص يدخل سجون هايتي الرطبة كريهة الرائحة، أيا ما كانت تهمته، أن نتعاطف معه على نحو ما. وبهذا المعنى أشعر بالآسف حيال مبشري الكنيسة المعمدانية من إيداهو والمتهمين باختطاف 33 من «الأيتام» ومحاولة إخراجهم من البلاد. ولكن ما قام به فاعلو الخير هؤلاء لم يكن فقط عملا ضالا بل كان عملا جنائيا كذلك، ومما لا شك فيه أن سلطات هايتي كانت صائبة في احتجازهم وتوجيه التهم إليهم.

فحتى في ظل كارثة طبيعية مرعبة كهذه، لا يعد تهريب ذلك العدد من الأطفال بتلك الطريقة - في ظل خطط مبهمة للتعامل مع أوراق إثبات هوية الأطفال لاحقا - عملا خيريا، حيث إن سوء تصرف المبشرين لن يسفر عن شيء سوى جعل مهمة الأشخاص المعنيين فعليا بمصير الأطفال المهملين أصعب. كما أن حقيقة أن لورا سيلسبي، 40 عاما، قائدة هؤلاء المبشرين لها «تاريخ من الفشل في سداد ديونها، ودفع رواتب موظفيها بل والفشل في الالتزام بقوانين إيداهو»، وفقا لأحد السياسيين المرموقين في إيداهو، لن يفيد بالتأكيد هؤلاء المبشرين. فقد أفادت الصحف خلال الأسبوع الماضي بأن سيلسبي كانت هدفا لنحو 8 قضايا و14 شكوى لها علاقة بعدم سدادها لأجور العاملين لديها في مشروع له علاقة بشبكة الإنترنت كانت قد أسسته في عام 1999، كما تلقت سيلسبي أربع مخالفات مرورية منذ عام 1997 لعدم إتمامها الإجراءات الورقية الخاصة بالسيارة، بالإضافة إلى قيادتها سيارة لم يؤمن عليها.

وعندما وقع زلزال هايتي، سافرت سيلسبي وتسعة آخرون إلى هناك وجمعوا 33 من الأولاد والبنات وتوجهوا صوب حدود جمهورية الدومينيكان. وهناك قامت شرطة هايتي بإيقافهم، بعدما اكتشفت أن تلك المجموعة ليست لديها أي مستندات من بين المستندات الكثيرة التي يجب عليهم الحصول عليها كي يستطيعوا إخراج هؤلاء الأولاد.

ووفقا للتقارير من هايتي، اتضح أن كثيرا من هؤلاء الأطفال، إن لم يكن جميعهم، ليسوا أيتاما كذلك. ويعتقد أن سيلسبي قد حصلت على «إذن» على الأقل بعض آباء هؤلاء الأطفال أو الأوصياء عليهم قبل اصطحابهم. ولكن السلطات تؤكد أن هؤلاء المبشرين لم يكن لديهم أي من الوثائق الضرورية المتعلقة بتخلي أحد الأبوين عن حقه في رعاية طفله. وتشير بعض التقارير التي جاءت من كيلباس، مدينة صغيرة تقع على مقربة من بورت أوبرنس، التي يعيش فيها معظم هؤلاء الأطفال، إلى أن بعض هؤلاء الأطفال سلمهم أشخاص غير آبائهم، مثل الأخ، أو العرابة (الأم في العماد)، أو أحد الأوصياء غير الرسميين. هل بالغت السلطات الهايتية في رد فعلها؟ بالطبع لا، خاصة في ظل أن الآلاف من أطفال هايتي يتم بيعهم سنويا كخدم؛ حيث يصبح معظمهم عمالا محليين. ويتعرض هؤلاء الأطفال المعروفين في لغة الكريول بـ«ريستافيكس» - من الأصل الفرنسي reste avec أو «ابق مع» - لسوء المعاملة النفسية والجسدية بل والجنسية أيضا. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال يتعرضون في معظم الأحوال لسوء الاستغلال في هايتي فإنه يوجد «ريست أفيكس» أيضا في جمهورية الدومينيكان. وعند الحدود، أكدت سلطات هايتي أنه لا توجد طريقة للتأكد من أن هؤلاء الأشخاص القادمين من إيداهو حريصون حقا على مصالح هؤلاء الأطفال.

ولكن دعونا نفترض أنهم كذلك، ودعونا نفترض أن أيا من المبشرين أو الأشخاص الذين وقعوا على أوراق التخلي عن الأطفال لم تكن لديهم أي نوايا شريرة؛ فحتى إذا افترضنا أن الجميع كانوا يريدون مصلحة هؤلاء الأطفال، فإن - ما يزعم - أنه حدث يظل أمرا خاطئا.

فوفقا للتقارير الصحافية، كانت سيلسبي تعتزم البحث عن أسر أميركية لكي تتبنى هؤلاء الأطفال. وأنا أحد المعجبين بفكرة التبني، خاصة إذا ما كانت دولية تتجاوز العرق والثقافة، فيجب أن يظل الهدف الرئيسي هو مصلحة الطفل. ولكن الحصول على ابن أو ابنة يعد من أكثر القرارات التي يمكن أن يواجهها الآباء صعوبة. وبالتالي، يجب القيام به على الوجه الصحيح ويجب أن يحصل الأبوان على الوقت الكافي للتفكير في الأمر. كما لا يجب على أي أب أو وصي على الطفل أن يتخلى عن طفله تحت وطأة أزمة. ولا يمكنني تخيل أزمة أكبر من محاولة إعالة أسرة في الأيام التي تعقب كارثة بمثل حجم الآثار التي خلفها زلزال هايتي. فقد كانت لحظة من الحاجة الماسة واليأس المطبق، وهي بالتأكيد اللحظة الخاطئة لكي يتخذ فيها أب أو أحد الأوصياء على طفل قرارا بتغيير جذري مثل هذا. فكان يتوجب على العمل الخيري الحق أن يساعد هذه الأسر على رعاية أطفالها، لا أن يضعهم في حافلة وينقلهم بعيدا.

*خدمة «واشنطن بوست».