نابوليون والرواية المصرية

TT

نقرأ لدى كبار كتاب الغرب (نادين غورديمر مثالا) أن ترجمة الرواية العربية إلى اللغات الأخرى بدأت بعد 2001. وهذا خطأ واضح. الذي فتح باب الترجمات كان فوز نجيب محفوظ بنوبل الآداب. وبعدما ترجمت أعماله بدأت موجة ترجمة الأعمال الروائية الأخرى. 2001 لم تفتح باب الاطلاع على الأدب العربي بل فتحت أبواب البحث في جذور وأصول الإرهاب. وثمة نظرية أخرى يتداولها ويتناولها كتاب الغرب (ج.م كويتزي، حامل نوبل الآداب، مثالا) وهي أن حملة نابوليون على مصر هي التي أدت إلى نشوء الرواية العربية، التي كانت أولها «زينب» لمحمد حسين هيكل. وهذا خطأ آخر. ما بين حملة نابوليون ورواية محمد حسين هيكل نحو قرن. وإذا اعتبرنا، مع سائر النقاد، أن «زينب» هي أول رواية عربية «رسميا» فإن صاحبها عاش ودرس في باريس ولم يتأثر بالضرورة، بالقليل الذي تركته حملة نابوليون، وأهمه في حقل الصحافة والتدوين.

إنني أعتقد أن الرواية العربية كانت نتاج تأثيرات ومناخات كثيرة، بينها التأثير الفرنسي، لكن ذلك جاء بعد نابوليون، وليس معه. كان القرن العشرون لا القرن التاسع عشر، هو المرحلة التي تفاعلت خلالها الأفكار العربية بالتيارات الأدبية العالمية.

ولم يكن تأثير الروس بعيدا هو الآخر. وإذا اعتبرنا أن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ هما علامتا القرن الماضي في الرواية المصرية، نخلص إلى أن التأثير الأكبر في أعمالهما كان مصريا، من الفرعون إلى الريف. مع العلم أن الحكيم اطلع «وتأثر» على الأدب الفرنسي في باريس كما اطلع طه حسين. لكن لا يمكن القول إنهما تأثرا برواية «زينب»، التي لا يزال يصر البعض على أنها نتيجة التأثير النابوليوني.

صدرت «زينب» عام 1914. وفي تلك المرحلة كانت الحركة الأدبية العربية قد أصبحت منفتحة على جميع أنواع الثقافات. ففي نيويورك كان جبران خليل جبران وميخائيل نعيمه وأمين الريحاني قد بدأوا يعبرون عن التأثير الأميركي والروسي. وفي مصر نفسها كان اللبنانيون قد نقلوا من الجامعة الأميركية في بيروت مجموعة من التأثيرات الأدبية والعلمية، من إبراهيم اليازجي إلى جرجي زيدان وفيلكس فارس وفؤاد صروف وسواهم.

لا أدري لماذا الإصرار على حصر ولادة الرواية العربية بالحملة النابوليونية. أعتقد أن أدبا كبيرا ينقل عن آخر في هذا الباب.

كما أعتقد، أنه ربما لا علاقة إطلاقا، بين الأمرين. فإذا كان هيكل قد اتخذ فن الرواية عن الفرنسيين (كتبها في باريس في أي حال) فقد كان ذلك زمنا مختلفا وبعيدا عن المرحلة النابوليونية المقتضبة في أي حال. وإذا كان من تأثير حقيقي لها فهو في علم الآثار أكثر مما هو في الرواية.