هيا نروج للمصالحات

TT

قامت الدنيا في لبنان ولم تقعد، حين نشرت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، الصيف الماضي، تقريرا تحدثت فيه مصادر منسوبة إلى المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. التسريبات التي ربطت آنذاك ما بين أطراف في حزب الله وجريمة الاغتيال، أتت في لحظة انقسام سياسي لبناني وإقليمي، جعلت من الخبر مادة أولى في معظم وسائل الإعلام المحلية والدولية، وسببت إحراجا وانقساما سياسيين كبيرين كادا أن يفجرا الأزمة في لبنان.

ذاك الفتيل تم تجاوزه، مرحليا على الأقل، بصعوبة.

الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية تقريرا يحمل معلومات منسوبة أيضا إلى أوساط في المحكمة الدولية، تؤكد ما كان نشر في صحيفة «دير شبيغل»، بل وتضيف عليه تحليلات تربط ما بين سورية وإيران والقضية، وتتحدث عن التقاطع والتناقض ما بين العدالة والدبلوماسية، وتتساءل ما إذا كانت الدول التي وقفت وراء نشوء المحكمة ما تزال على دعمها لها بعد التقارب مع دمشق.

التسريب الأخير غاب بالكامل تقريبا عن وسائل الإعلام اللبنانية والعربية.

إذن، عهد المصالحات يفرض أجندته وأولويات أخباره.

هناك من قرر إسدال الستار على مشهد الأزمة اللبنانية المريرة المستمرة منذ خمس سنوات، وإسدال الستار تمّ من دون مشهد أخير أو خاتمة. الانتقال السريع وغير المنطقي وغير المفهوم من حال التأزم إلى التسوية حدث فجأة من دون مقدمات، والأهم من دون شرح وتبريرات.

دخلنا عهد المصالحات وحسب. تلك حقيقة لا ندعي امتلاك القدرة على رفضها، لكن من أبسط الحقوق هو السؤال عن حقيقة هذه المصالحات وعن مضامينها، خصوصا وأن المصالحات تنذر بعودة إلى مرحلة ما قبل عام 2005، إعلاميا على الأقل.

هناك من يروج في الإعلام أن ملف المحكمة قد طوي، وأن صفحة جديدة في العلاقات بين لبنان وسورية والعلاقات العربية - العربية قد بدأت، وحذار لمن يكتب أو يحاول أن يطرح تساؤلات هي في خارج سياق هذه المصالحات.

لسنا هنا في معرض ذم المصالحات ورفضها، لكن ترديد كلمة مصالحات، كطيور الببغاء، لا يعني أن الحقائق كشفت، وأن إشكالات الماضي قد طويت.

في أداء الإعلام اللبناني والعربي، خلال أسبوع إحياء ذكرى اغتيال الحريري، وإزاء التعامل مع قضية المحكمة الدولية والتسريب الأخير منها، تظهير جديد لِكم أن الإعلام العربي هو انعكاس لقوة السياسة ولضعفها في آن.

خبر «دير شبيغل» أتى في سياق انقسام، فكانت له قوة تتجاوز حجمه وحقيقته، ربما، بينما في لحظة تسوية سياسية كالتي نعيشها، وظهر فيها خبر «لوموند»، يظهر الإعلام بأداء هزيل وهش.

إنها ضريبة الالتحاق بالسياسة، وإلى أن يظهر في الأفق العربي إعلام مستقل حقيقي، فهيا بنا نروج للمصالحات.

diana@ asharqalawsat.com