المقاطعة الدولية لإيران لا تكتمل إلا بانضمام الصين

TT

كأنه ليس هناك من قرار بعد حول نوعية الحصار الذي سيفرض على إيران. لهجة الولايات المتحدة تغيرت نوعا ما بحيث يُشتم منها تحول نوعي، وهذا مطلوب، لأن التجارة المستعملة في البازار الإيراني والتي تحولت إلى أسلوب تعامل مع بقية الدول، سخّفت «شهامة» الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما قرر الانفتاح على إيران، وهذا لا بد أن يدفعه إلى اتخاذ قرار حاسم وعدم تضييع الوقت.

لكن المشكلة، أن أميركا تأتي دائما متأخرة، أو أن إيران تسبقها دائما.

في قطر تخوفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، مما هو معروف منذ زمن طويل. تخوفت لأن الحرس الثوري الإيراني حوّل إيران إلى «ديكتاتورية عسكرية»، وعلى المجتمع الدولي بالتالي اتخاذ خطوات لمنع ذلك (راجع «الشرق الأوسط» - إيران: العسكر يستولون على سلطات آيات الله، 7 يناير/كانون الثاني 2010، و: إيران من جمهورية إسلامية إلى ديكتاتورية عسكرية، 6 أغسطس/آب 2009).

قالت كلينتون، «إن الولايات المتحدة تخطط لجمع دول العالم من أجل فرض ضغوط على إيران عبر حصار تتبناه الأمم المتحدة، يستهدف على الأخص الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الذي حل محل الحكومة». ونود أن نعتبر هذه التصريحات التزاما أميركيا جديدا لا تراجع عنه.

أن تكشف كلينتون عن دور الحرس الثوري بهذا الشكل العلني - بالصوت والصورة - يعني أن الولايات المتحدة تريد من التوافق الدولي على المقاطعة أن تصيب هيكلية السلطة في إيران، وليس الشعب الإيراني.

حتى هذا ليس بالأمر الجديد، لكن الهجوم الأميركي العلني على الحرس يكشف عن النقاش الدائر داخل دوائر السياسة الأميركية حول كيفية معالجة المسألة الإيرانية، بعدما صدت إيران الأبواب بوجه اعتقاد أوباما، بأن الانفتاح الدبلوماسي قد يغير من طريقة تعامل إيران مع العالم.

لقد قامت الثورة الإسلامية الإيرانية على أمرين أساسيين: العداء لأميركا والعداء لإسرائيل، ونشر الثورة الإسلامية لتلغي الحدود مع بقية الدول المجاورة لإيران. لذلك، فإن انفتاحا إيرانيا على أميركا يلغي تلقائيا أحد أسباب وجود الثورة.

يبدو أن الاضطرابات الداخلية في إيران، غيرت من شروط النقاش الأميركي. بعض الخبراء الأميركيين يعتقد بأن الوقت مناسب كي تبدأ الإدارة الأميركية بالتحدث علنا عن تغيير النظام في إيران، ليس بتدخل خارجي، إنما عبر دعم أكبر للمعارضة في الداخل.

هذا بدوره يطرح أسئلة حساسة جدا تتعلق بالمدى الذي على الخارج أن يصل إليه لدعم هذه المعارضة، بحيث لا تستغل السلطات الإيرانية الأمر لمصلحتها ولتخوين المعارضة.

الإدارة الأميركية لم تستقر بعد على رأي. ثم إن المعارضة الإيرانية تستمد قوتها من الحصار الذي تفرضه عليها السلطات الإيرانية المتوترة جدا. المعارضة غير خائفة، وكشف عن ذلك أحد زعمائها مهدي كروبي في حديث مطول أدلى به يوم الأحد الماضي لصحيفة «الصانداي تلغراف» البريطانية، رغم إغلاق إيران أبوابها في وجه الصحافة الأجنبية. وقد يكون أخطر ما قاله كروبي، هو قلق كبار رجال الدين في إيران من احتمال ابتعاد الشباب الإيراني عن الإسلام، لأن القمع الذي تمارسه هذه الحكومة يدفع بالشباب إلى الاعتقاد بأن حقوق الإنسان لا تتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي!

إن الانتشار الذي حققه الحرس الثوري في السيطرة على كل المواقع في إيران قد يؤدي في حال فرض الحصار، إلى صعوبة التفرقة بين الذين يتضررون منه.

لقد أشرف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي على عملية دمج المؤسسات الاقتصادية والعسكرية والأمنية ووضعها تحت سيطرة الحرس، وتمت السيطرة النهائية لهذا الحرس على كل مؤسسات الدولة مع انتخابات عام 2005، وكانت « لؤلؤة التاج» في السيطرة الكاملة: الاقتصاد، إذ يدير الحرس الثوري الآن ما يزيد على 820 شركة، وفاز أخيرا بقطاع الاتصالات بصفقة تزيد قيمتها على سبعة مليارات دولار، ومع إعادة انتخاب أحمدي نجاد اكتملت دائرة سيطرة الحرس على إيران وثرواتها. حسب الدستور الإيراني فإن كلمة المرشد الأعلى نهائية في كل القرارات، من هنا تجب معرفة دور المرشد الأعلى الذي هو أيضا القائد الأعلى للحرس الثوري. وفي الواقع لم يعد آية الله خامنئي رجل دين بالمفهوم المتعارف عليه، بل هو القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري المسؤول عن الأمن الإيراني.

كذلك إذا أردنا أن نصف وضع الدولة الإيرانية الآن، فإنها دولة شمولية عسكرية تحت غطاء آيديولوجي شيعي بمفهوم إيراني.

لتمرير قرار دولي جديد لفرض العقوبات على إيران، هناك الحاجة إلى الصين. المصادر الأميركية المطلعة أكدت أن الصين لن تستعمل حق النقض. فالصين استعملت هذا الحق ست مرات فقط خلال ثلاثين عاما، وفي السنوات الأخيرة استعملته عندما انضمت إليها دولة أخرى عضو في مجلس الأمن.

ربما استخفاف إيران بفرنسا وبريطانيا على مدى السنوات الأربع الماضية، دفع هاتين الدولتين للوقوف بقوة الآن إلى جانب الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

روسيا هذه السنة مهتمة بتحسين علاقاتها مع أميركا والدول الأوروبية وتحركت لدعم المقاطعة. وتقول المعادلة «لا فيتو روسي، لا فيتو صيني». وقد انضمت موسكو إلى واشنطن كرد فعل على التنازل الذي قدمته إدارة أوباما بوضعها على الرف نشر مظلة الصواريخ الدفاعية في أوروبا الشرقية.

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وصل مبعوثان أميركيان إلى بكين، دينيس روس وجيفري بادر، والاثنان في مجلس الأمن القومي، وأبلغا المسؤولين هناك بأن مصالح الصين قد تتأثر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية وأغارت الطائرات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. كل ما حصلا عليه أن الصين ستدعم بيانا أميركيا قوي اللهجة ينتقد إيران لاستهانتها بقرارات الأمم المتحدة.

الآن، قد تنجح إدارة أوباما في كشف الصين أنها الداعم الدولي الوحيد لنظام لا يتمتع بأي شعبية إقليمية أو دولية، وتأمل الولايات المتحدة أن تستعمل محادثات كلينتون في قطر والسعودية كوسيلة لتشجيع الصين على التفكير في مصالحها الاقتصادية على المدى البعيد. فالدول العربية والخليجية بالذات تستطيع أن تبلّغ الصين بأن علاقاتها الاقتصادية مع الدول العربية ستتضرر إذا ظلت متمسكة بموقفها القريب من إيران. الصين عبّرت عن مخاوفها، وعن سبب تمسكها بموقفها بمقال نُشر في صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية: «السير حتى النهاية بفرض المقاطعة على إيران بحيث تتأثر صادراتها النفطية، يبدو وكأنه فرض مقاطعة غير مباشرة على الصين، وهذا ما لن توافق عليه الصين». ولتطمين الصين بأن شكوكها ليست في محلها، أبلغت واشنطن بكين بأن وزيرة خارجيتها ستزور دولا خليجية وتتأكد من أنه إذا أدت المقاطعة الدولية إلى تعطيل إمدادات النفط الإيراني، فإن السعودية ودولا أخرى ستضمن للصين بأن حاجاتها النفطية ستتوفر.

إن أكثر ما يقلق الصين التي يعتمد اقتصادها ونموها كثيرا على إمدادات الطاقة، أن تنطلق أميركا وأوروبا ودول الخليج في مواقعها لمواجهة الخطر الإيراني النووي، من دون الأخذ في الاعتبار الأولويات الصينية.

الدول الخليجية قلقة من الطموحات الإيرانية ومن النفوذ على المنطقة الذي تريده إيران بحصولها على السلاح النووي، وهي باستمرار تحرص على عدم اتخاذ مواقف صارمة قد تثير ذريعة إيران. تدرك هذه الدول أنها مجاورة لإيران، كما أنها قلقة من الاضطرابات في المنطقة. لكن رغم حرصها على دفة التوازن في مواقفها، تستمر إيران في المقابل في تحديها، ليس للغرب فقط، بل لهذه الدول بالذات.

في جولتها الخليجية كانت كلينتون واضحة بأن الوقت حان لإفهام طهران بأنها لا تستطيع الاستمرار بمواقفها الاستفزازية وأن ثمن استمرارها في التحدي النووي سيكون مرتفعا. من حق دول الخليج الدفاع عن شعوبها وعن مصالحها ، والأمل ألا تكون مراهنات السلطات الإيرانية خرجت عن السيطرة. لا بد من التزام أميركي كي تدرك القيادة الإيرانية بأن زمن التخويف لم يعد يجدي، وأن إيران في حاجة ماسة إلى بعض الحكماء الذين يفكرون بالشعب الإيراني ومستقبله.

مهما قيل عن الخسائر الأميركية في العراق، فقد تهدم ذلك البلد. وسيعود الأميركيون إلى بلادهم، وعسى ألا تتكرر التجربة العراقية التي بدأت كما هو معروف بفرض حصار كامل على العراق!