أسبوع حاسم للوصول إلى «المفاوضات غير المباشرة»!

TT

بعد تأخُّر الرد على عشرة أسئلة حملها معه إلى واشنطن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد هيل، بعد آخر لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جرى خلاله الاتفاق على البدء في المفاوضات «غير المباشرة» فور الإجابة على هذه الأسئلة، حيث من المتوقع أن يأتي إلى المنطقة خلال الأيام الثلاثة المقبلة موفدٌ أميركي ومعه الإجابات التي طلبها الفلسطينيون، لتدور عجلة العملية السلمية استنادا إلى ما تم الاتفاق عليه.

في اللقاء المشار إليه بين هيل وعباس اعتبر الجانب الفلسطيني أن الحديث عن « ضمانات» أميركية غير محددة للبدء بهذه المفاوضات غير المباشرة لا قيمه له، وأن البديل المطلوب هو الإجابة، إجابة واشنطن، على عشرة أسئلة عاد بها نائب وزيرة الخارجية الأميركية إلى بلاده من بينها: إذا لم يتم التوصل إلى أي نتيجة خلال الشهور الثلاثة المخصصة لهذه المفاوضات المباشرة فما الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة في مثل هذه الحالة؟!. واقترح الجانب الفلسطيني على هيل في حال مضي الشهور الثلاثة، التي جرى تحديدها للمفاوضات غير المباشرة، من دون التوصل إلى أي نتيجة أن تبادر واشنطن إلى دعوة اللجنة الرباعية، المكونة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، لاجتماع طارئ وعاجل، لتحدد فيه على من تقع مسؤولية فشل هذه المفاوضات المباشرة، وهل الفلسطينيون هم الذين خرجوا على الشرعية الدولية أم إسرائيل.

وبالطبع فإن الفلسطينيين ضمَّنوا أسئلتهم العشرة هذه، التي ما زالوا ينتظرون الإجابة عليها بعد انقضاء مهلة العشرة أيام التي جرى الاتفاق مع هيل على أن تصلهم هذه الإجابة خلالها، سؤالا حول مرجعية المفاوضات المباشرة في حال العودة إليها والمعروف أنهم، أي الفلسطينيون، كانوا قد أكدوا أكثر من مرة على أن حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 يجب أن تكون هي المرجعية المطلوبة، مع ضرورة أن تشمل هذه الحدود القدس الشرقية.

وحقيقة أن الفلسطينيين قد حرصوا خلال اجتماع أبو مازن مع هيل، بتشجيع من الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، على إيجاد مخارج وتسهيلات لعودة جورج ميتشل إلى المنطقة في أقرب فرصة ممكنة، لتبدأ المفاوضات غير المباشرة في عمان في نحو الثاني عشر من مارس (آذار) المقبل، وعلى أساس أن تستمر لثلاثة شهور يتم الانتقال بعدها إلى المفاوضات المباشرة إذا سارت الأمور كما يراد لها، وإذا تم التوصل إلى النتائج المرجوة.

وهكذا، وإذا تسلَّم الفلسطينيون الرد على أسئلتهم العشرة الآنفة الذكر، أو بعضها على الأقل، فإنه بالاتفاق مع الدول الثلاث، المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، ومع عمرو موسى أيضا، ستتم دعوة لجنة المتابعة العربية، التي تشكلت أساسا لمتابعة تطورات عملية السلام على المسار الفلسطيني، لتقول رأيها، الذي من المفترض أنه يمثل رأي العرب كلهم، في الأسس التي ستنطلق المفاوضات غير المباشرة، وفقا لها، والتي يجب أن تكون إطار المفاوضات المباشرة التي ستعقب هذه المفاوضات غير المباشرة وعلى الفور.

على هذا الصعيد يقول الفلسطينيون إنهم لن يكرروا تجربة «تقرير غولدستون» حول مأساة حرب غزة، وإنهم، حتى لا تتكرر تلك التجربة البائسة، يصرون على أن يكون قرار البدء في المفاوضات غير المباشرة في ضوء الرد الأميركي على الأسئلة الفلسطينية العشرة للجنة المتابعة العربية التي من المفترض أنها تمثل العرب جميعهم، وبلا استثناء، ولو حتى دولة واحدة.

إذن خلال هذا الأسبوع المقبل ستصل الأجوبة الأميركية على التساؤلات الفلسطينية المشار إليها، والمفترض أن تجتمع لجنة المتابعة لتقرر أن تبدأ المفاوضات غير المباشرة في ضوء هذه الأجوبة، والمتوقع وفقا لتفاهمات مسبقة أن تبدأ هذه المفاوضات غير المباشرة في عمان في نحو الثاني عشر من مارس المقبل، وكل هذا إذا سارت الأمور كما يراد لها، وهبَّت الرياح كما تشتهي السفن.

وهنا، فإن ما تجب الإشارة إليه، هو أن الفلسطينيين قد قبلوا بهذه المفاوضات غير المباشرة، التي أُعطيت هذا العنوان وهذا الاسم، اقتداء بالمفاوضات السورية – الإسرائيلية، التي كانت تمت بهذه الطريقة بوساطة تركية، كما هو معروف، بعد أن تكثفت الضغوطات عليهم وبعد أن تلقوا ما اعتبر ضمانات أميركية بأن حكومة بنيامين نتنياهو ستوقف الاستيطان، ولو من دون إعلان، إنْ في الضفة الغربية وإنْ في القدس الشرقية.

ويبقى هنا أنه لا بد من القول إنه لا يمكن الركون إلى أن هذه المفاوضات غير المباشرة ستتكلل بالنجاح، وإنها ستؤدي إلى المفاوضات المباشرة المتوقعة والمفترضة، فإدارة الرئيس باراك أوباما تواجه صعوبات داخلية كثيرة، وهي كما هو واضح تنشغل بأولويات أخرى كثيرة على حساب الشرق الأوسط وأولويته، فهناك الحرب المحتدمة في أفغانستان وهناك المواجهة المتصاعدة مع إيران، وهناك الاستنزاف اليومي الذي تواجهه في العراق وفي بؤر توتر أخرى في المنطقة، كاليمن والصومال والسودان.

وحقيقة، فإن هناك قناعة فلسطينية وعربية أيضا تصل حتى حدود اليقين بأن أولوية هذه الحكومة الإسرائيلية، التي على رأسها بنيامين نتنياهو والتي عنوانها أفيغدور ليبرمان، هي الموضوع الإيراني، وأنها تريد هذه المفاوضات غير المباشرة لمجرد الاستهلاك، وللتلاعب بعامل الوقت ولتظهر أمام العالم، الذي تسعى لاستقطابه لمواجهة قد تصل إلى استخدام القوة العسكرية مع إيران، على أنها تريد السلام، وأنها تستجيب للإرادة الدولية المجمعة على حل لقضية الشرق الأوسط على أساس إقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة إسرائيل بحدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وهكذا فإنه غير متوقع على الإطلاق أن يغير بنيامين نتنياهو مواقفه وسياساته، وأن تسفر هذه المفاوضات غير المباشرة، التي من المفترض أن تنطلق في نحو منتصف الشهر المقبل، عما يؤدي إلى الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، ولعل ما يعزز هذا الاحتمال أن الإدارة الأميركية تمر بحالة الوهن الحالية هذه التي تمر بها، وأن أوباما الذي كان أثار إعجاب الفلسطينيين والعرب ذات يوم قريب قد تراجع عن مواقفه السابقة، وإن كان، من قبيل حفظ ماء الوجه، لا يزال يتشبث بزبد هذه المواقف كتشبث الغريق بزبد البحر.

ولا بد من الأخذ في عين الاعتبار أن خيار الفلسطينيين الوحيد في ضوء واقع الحال عربيّا ودوليا، هو الموافقة على الذهاب إلى هذه المفاوضات غير المباشرة، وبخاصة وأن الأولوية الجاهزة الأخرى ستكون للأزمة الإيرانية، وهذا ما أراده نتنياهو، ولا يزال يريده، وأن البديل سيكون للفراغ القاتل، ولذلك، وحتى تكون هناك إمكانية لاستئناف المفاوضات المباشرة على أساس مرجعية حدود الرابع من يونيو عام 1967، فإنه لابد من أن يكون هناك موقف عربي واحد، وأن يُستخدم الموضوع الإيراني للضغط على الأميركيين من أجل أن يتخذوا موقفا أكثر جدية من هذه الحكومة الإسرائيلية، وأن يلزموها إلزاما باستحقاقات عملية السلام وبإنجاح المفاوضات غير المباشرة حتى تكون هناك مفاوضات مباشرة.

وبالمحصلة، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار دائما وأبدا في أيام هذا الأسبوع الحاسم، هو أن الفلسطينيين وقضيتهم يواجهون ظروفا ذاتية وموضوعية في غاية الصعوبة والتعقيد، فأوضاعهم الداخلية لا تسرُّ الصديق ولا تغيظ العدا، كما يقال، وهذا الانقسام السياسي والجغرافي والتنظيمي يبدو أنه بلا نهاية، وكل هذا بينما أصبح لكل دولة عربية قضيتها التي تنشغل بها، وبينما العالم غدا مشغولا بهموم كثيرة على رأسها هذه الأزمة الاقتصادية المستفحلة.