أخيرا سقط نجم سارة بالين

TT

ربما تكون الميزة الكبرى في سارة بالين أنها ليست لديها ميزة كبرى على الإطلاق، فهي تبدو بالنسبة إلى أصدقائها وأعدائها، على حد سواء، أشبه بشخصية وهمية. من وجهة نظر تيار اليسار، تبدو بالين بمثابة مؤشر ينذر بقرب وقوع سيطرة حكومة يمينية متشددة على مقاليد السلطة في البلاد. أما بالنسبة لليمين، فهي القائد - المتمتع بكل الغرائز الطبيعية المؤهلة للقيادة من دون تكلف أو اصطناع - الذي كانوا يعلمون أنه قادم لا محالة في يوم من الأيام لقيادة الولايات المتحدة للخروج من التيه الاشتراكي الراهن. الأمر المؤسف بالنسبة لكلا التيارين، أنه في واقع الأمر، تعد بالين لكليهما مصدرا بالغا لمشاعر الإحباط.

وسأبدأ حديثي عن اليسار، الذي جرت المقارنة في إطاره بين بالين وبيير بوجاد، الشعبوي الفرنسي، الذي أسس، منذ نصف قرن مضى، حركة تدافع عن مصالح أصحاب المتاجر والمزارعين. وقد اصطبغت الحركة بصبغة طفيفة من العداء للسامية وعداء الولايات المتحدة (مع ظهور شائعة شراء شركة «كوكا كولا» «كاتدرائية نوتردام»)، وكانت، مثلما يبدو واضحا الآن، على مشارف السقوط في هوة البلاهة والحماقة. ويوحي مصطلح «البوجادية» بالتشدد، ويشير إلى صورة مخففة من الفاشستية.

ظهرت حلقة الوصل الأولى التي تمكنت من العثور عليها بين بالين وبوجاد في مقال لجوناثان رابان في «لندن ريفيو أوف بوكس». ومنذ ذلك الحين (2008)، ظهرت حلقات وصل أخرى - ربما تصل إلى قرابة 1.420 إذا بحثت عبر محرك البحث «غوغل» - وكان آخرها في مقال ورد بصحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 2 فبراير (شباط) لروبرت زاريتسكي، بروفسور التاريخ الفرنسي. ففي ثنايا المقال، أشار إلى بعض الاختلافات بين «البوجاديين» وأصحاب «حفل الشاي» وبين بوجاد وبالين. ومع ذلك، توصل إلى أن هناك بعض نقاط التشابه بينهما، حيث أشار إلى أن «الحركة البوجادية.. تحمل شبها قويا بحركة (حفل الشاي) الموجودة هنا»، وهي عبارة تركت أصداء واضحة.

إلا أنه بغض النظر عن ماهية نقاط التشابه بين بالين وبوجاد، فإنهما يختلفان عند نقطة بالغة الأهمية: وهي أن حركة بوجاد كان اتجاهها من الأسفل إلى الأعلى. وقد تولى هو تأسيسها وحملت اسمه. أما فيما يخص بالين، نجد أن جون ماكين، المتسم بقدر واضح من الجشع السياسي، هو الذي دفعها إلى سلم الشهرة. وقد أدلت بالين ببعض أكثر التعليقات المرتبطة بالسياسة الخارجية إثارة للذهول، مثل قولها عن قرب ألاسكا من روسيا، ثم تلفيقها الأكاذيب حول «لجان الموت»، وبوجه عام بدت شخصا غريب الأطوار، فيا له من أداء رائع.

فيما يتعلق باليمين، فقد أبى هو الآخر رؤية حقيقة بالين، حيث نظرت حفنة من المحافظين الجدد، ربما كانوا يعانون من دوار البحر بعد رحلة بحرية على ساحل ألاسكا، إلى بالين بإعجاب بالغ لما تتمتع به، حسب اعتقادهم، من شخصية كاريزمية قوية. بالنسبة لعدد منهم، يمثل هذا الأمر حالة واضحة لما أطلق عليه فرويد «جنون شيكسا» (Shiksa Madness)، بينما بالنسبة إلى الآخرين، لا بد وأن السبب يتعلق بأسماك السالمون.

يتبع كل من اليمين واليسار منظورا أيديولوجيا خاصا في تقييم بالين. إلا أن ما أثار ذعر معجبي ومنتقدي بالين على حد سواء، أن الشعب الأميركي ذاته كان يعكف باستمرار على تقديرها، وأصدر حكمه الأسبوع الماضي: إنها ليست مهيأة بعد للظهور بقوة على الساحة العامة، وهو ما تجلى في إعلان نسبة هائلة، 71%، عن اعتقادها بأن بالين غير مؤهلة للرئاسة، في إطار أحد استطلاعات الرأي. في الحقيقة، السيدة القادمة من ألاسكا لا تعدو كونها شخصية زائفة، وقد عمدت إلى السعي وراء المال، بل واستقالت من منصبها الرسمي كي تتمكن من حصد مزيد من المال. وقد أظهرت كراهيتها للتيار الرئيسي لوسائل الإعلام، ثم استعانت بكاتب من الظل ليكتب باسمها، ونالت عقدا مع قناة «فوكس نيوز». بالين ليست تهديدا لليسار ولا فرصة لليمين، إنها مجرد وهم، يختفي بمجرد أن يضيء الشعب الأميركي النور.

*خدمة «واشنطن بوست»