وقاحة متناهية

TT

فكرة الصهيونية كمبدأ سياسي مبني على أساطير دينية هي فكرة مثيرة للجدل وشديدة العنصرية، وأقر المجتمع الدولي بخطورتها واعتبر أنها من الآفات التي يجب محاربتها مثلها مثل النازية والأبارتايد وغيرهما. سنوات وعقود طويلة وإسرائيل تحاول بشتى الوسائل تثبيت فكرة أحقيتها بأرض فلسطين وأن لهم حقا سماويا في هذا المكان دونما أي نتيجة، وطبعا تلقى هذه الفكرة الرفض الأكبر من المحيط العربي والإسلامي.

والآن تقوم إسرائيل بخطوة جديدة في هذا الاتجاه بجرأة، أو بمعنى أدق بوقاحة غير مسبوقة (حتى بالقياس الإسرائيلي نفسه!)، فهناك كتاب جديد باللغة العربية طبع في إسرائيل من قبل معهد هاريت وروبرت للتفاهم الدولي بين الأديان (اللجنة اليهودية الأميركية) بعنوان «ذرية إبراهيم: مقدمة عن اليهودية للمسلمين»، تأليف روبن فايرستون، وتتصدر الكتاب آية من القرآن الكريم من سورة الجاثية تقول: «وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ».

ويحتوي الكتاب على مجموعة هائلة من الأخطاء التاريخية والمغالطات التفسيرية للأحداث والوقائع، وذلك باختيار المؤلف لبعض الآيات من القرآن الكريم التي تمدحهم على الرغم من أن المديح ليس «لهؤلاء» اليهود وكان تحديدا ليهود قوم موسى وفي إطار زمني محدد وهم الذين آمنوا بالله وكانوا موحدين لله لأنهم في زمانهم كانوا الأمة الموحدة، أما اليهود الذين جاءوا من بعد ذلك فقد ابتعدوا عن التعاليم السماوية، ومنهم من عبد العجل وكفروا بالله، وبعد ذلك منهم من قتل الأنبياء ونقض العهود وخان الأمانة.

ومدخل الكتاب «الخطير» هو وضع غطاء إسلامي للحق اليهودي في أرض فلسطين بتأويل آيات القرآن وتقديم تفسير تاريخي للأحداث ليماثل الرؤية اليهودية الصهيونية لحقهم في أرض الميعاد (ويغفلون تماما الكثير من الآيات السلبية بحقهم في القرآن الكريم). والكتاب يبني حجته على جزء ديني وجزء آخر تاريخي وجزء سياسي وجزء قانوني وكل النقاط هشة وضعيفة وبالإمكان تفنيدها والرد عليها، ولكن إسرائيل تقوم بإرسال مئات من النسخ بشكل عشوائي على عناوين عربية لتحاول اكتساب أرضية صلبة جديدة في الذهنية العربية، وذلك من مدخل الدين الإسلامي نظرا لما للدين من مكانة هائلة ومؤثرة في نفوس العرب والمسلمين، وهم بذلك يحاولون إيصال رسالة خبيثة، وهي أن حجة وجود إسرائيل بحق إلهي على الأرض الفلسطينية هي ليست مسألة يهودية فقط، ولكنها إسلامية أيضا.

الدين الإسلامي واضح جدا في هذه المسألة، فلم يحصل أن قام أي من المفسرين للقرآن أو السنة الشريفة، على صاحبها أفضل صلاة وأتم سلام، أو من السيرة بالإقرار بأن هناك وعدا إلهيا لليهود في أرض فلسطين أو ما شابه ذلك. الحرب خدعة، وإسرائيل تصعد في حربها النفسية ضد العرب والمسلمين، وذلك بأن تقدم لهم تفاسير دينية سياسية مؤدلجة ومؤولة لخدمة مخططهم الصهيوني لتقول للناس وبكل وقاحة إنها على حق وإنها صاحبة موقف شرعي سليم، وإنها الأحق بأرض فلسطين وليس للعرب حق فيها.

الأكاذيب والأساطير الإسرائيلية ليست بجديدة، فهم قاموا بمحاولات كثيرة في السابق لتلويث التراث وترسيخ الأكاذيب والأساطير كجزء من التاريخ، ولكي تبني على ذلك كل السياسات والقوانين والأنظمة. الكتاب الأخير بحاجة لأن يقرأ ويتم التحضير للإجابة عليه، خصوصا أن هناك قاعدة شعبية غير مؤهلة لتفسير القرآن «وحدها» دون معرفة السياق التاريخي وما وقع فيها من أحداث. الكتاب فصل أخير جديد من الوقاحة الإسرائيلية لتضاف إلى سجلّ شديد السواد.

[email protected]